التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدۡ جَآءُو ظُلۡمٗا وَزُورٗا} (4)

قوله تعالى : { وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا ( 4 ) وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ( 5 ) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ( 6 ) } المراد بالذين كفروا النضر بن الحارث . هذا الشقي الكفور الذي كان يتصدى لرسول الله ( ص ) وقرآنه المجيد ، بما كان يثيره من الأقاويل والأباطيل والافتراءات . فقد كان النضر بن الحارث وأتباعه من المعاندين يختلقون الأكاذيب عن نبي الله ليثنوا عنه العرب ، وليثيروا في نفوسهم الريبة فيما أنزل الله إليه من الآيات . فكانوا يقولون ( إن هذا إلا إفك افتراه ) والإفك ، أسوأ الكذب ؛ أي ما هذا القرآن إلا أكاذيب اختلقها محمد من عنده ! !

قوله : ( وأعانه عليه قوم آخرون ) أي استعان محمد ( ص ) على الإتيان بهذا القرآن بقوم آخرين من اليهود علموه أخبار السابقين . وقيل : المراد بقوم آخرين بعض الموالي والمستضعفين من غير العرب مثل عدّاس ، مولى حويطب بن عبد العزى وغيره من الكتابيين الذين كانوا يقرأون التوراة ثم أسلموا .

قوله : ( فقد جاءوا ظلما وزورا ) الضمير يرجع إلى الذين كفروا ، هؤلاء الطغاة المعاندون الأشقياء الذين يهرفون بالباطل والكذب مما ليس لهم فيه أدنى برهان ، إنه افتراء واختلاق وزور تتقيؤه حناجر المجرمين التاعسين الضالعين في التعس والرجس ، كالنضر وأمثاله من الشياطين في كل زمان . وهم يعلمون أنهم مبطلون كاذبون . فقال سبحانه في دفع مقالتهم : ( فقد جاءوا ظلما وزورا ) ذلك تنديد من الله بالغ بمقالة هؤلاء الأفاكين ، ودفع لما قالوه وافتروه بأنه ظلم وزور . أما الظلم : فهو وضع الشيء في غير موضعه ؛ فقد جعلوا العربي يتلقن من العجمي كلاما فذا بالغ الفصاحة ، نكص دونه العلماء والعظماء من العرب ؛ فأنى للأعاجم أن يصنعوا مثله ؟ .

وأما الزور : فقد بهتوا رسول الله ( ص ) بما ليس فيه وهم يعلمون أن محمدا ( ص ) كان في غاية الصدق والأمانة والبراءة والرحمة والبر ؛ فقد لبث فيهم أربعين سنة قبل بعثه حتى سموه لفرط صدقه وبره واستقامته : الأمين .