فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدۡ جَآءُو ظُلۡمٗا وَزُورٗا} (4)

ولما فرغ سبحانه من بيان التوحيد وتزييف مذاهب المشركين ، شرع في ذكر شبه منكري النبوة ، فالشبهة الأولى ما حكاه عنه بقوله :

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي مشركو العرب { إِنْ هَذَا } أي ما هذا القرآن { إِلَّا إِفْكٌ } أي كذب { افْتَرَاهُ } أي اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ } أي على الاختلاق { قَوْمٌ آخَرُونَ } يعنون من اليهود قيل وهم أبو فكيهة يسار مولى الحضرمي ، وعداس مولى حويطب بن عبد العزى ، وجبر مولى ابن عامر ، وكان هؤلاء الثلاثة من اليهود ، وقد مر الكلام على مثل هذا في سورة النحل ، ثم رد الله سبحانه عليهم فقال :

{ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا } أي فقد قالوا ظلما هائلا عظيما وكذبا ظاهرا ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها لكن لا على أنهما أمران متغايران حقيقة بل على أن الثاني هو عين الأول حقيقة ، وإنما الترتيب بحسب التغاير الاعتباري و { قد } لتحقيق ما جاؤوا به من الظلم والزور ، وانتصاب { ظُلْمًا } جاؤوا فإن { قد } لتحقيق ما جاءوا به من الظلم والزور ، وانتصاب { ظلما } بجاؤوا فإن جاء قد تستعمل استعمال أتى ، وتعدى تعديته ، وقال الزجاج : الأصل جاؤوا بظلم ، وقيل على الحال ، وإنما كان ذلك منهم ظلما لأنهم نسبوا القبيح إلى من هو مبرأ منه . فقد وضعوا الشيء في غير موضعه ، وهذا هو الظلم .

وقيل هو جعل الكلام المعجز إفكا مختلفا متلفقا من اليهود ، وأما كون ذلك منهم زورا فظاهر لأنهم قد كذبوا في هذه المقالة .