فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدۡ جَآءُو ظُلۡمٗا وَزُورٗا} (4)

ولما فرغ من بيان التوحيد وتزييف مذاهب المشركين شرع في ذكر شبه منكري النبوّة ، فالشبهة الأولى ما حكاه عنهم بقوله : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ } أي كذب { افتراه } أي اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم ، والإشارة بقوله { هذا } إلى القرآن { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ } أي على الاختلاق { قَوْمٌ ءاخَرُونَ } يعنون من اليهود . قيل وهم : أبو فكيهة يسار مولى الحضرمي ، وعداس مولى حويطب بن عبد العزى ، وجبر مولى ابن عامر ، وكان هؤلاء الثلاثة من اليهود ، وقد مرّ الكلام على مثل هذا في النحل . ثم ردّ الله سبحانه عليهم ، فقال : { فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً } أي فقد قالوا ظلماً هائلاً عظيماً وكذباً ظاهراً ، وانتصاب { ظلماً } ب { جاءُوا } ، فإن جاء قد يستعمل استعمال أتى ويعدّى تعديته . وقال الزجاج : إنه منصوب بنزع الخافض ، والأصل جاءُوا بظلم . وقيل هو منتصب على الحال ، وإنما كان ذلك منهم ظلماً ، لأنهم نسبوا القبيح إلى من هو مبرأ منه ، فقد وضعوا الشيء في غير موضعه ، وهذا هو الظلم ، وأما كون ذلك منهم زوراً ، فظاهر لأنهم قد كذبوا في هذه المقالة .

/خ6