التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ أَوۡ يُعَذِّبَهُمۡ فَإِنَّهُمۡ ظَٰلِمُونَ} (128)

قوله : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم ) روي عن أنس بن مالك في سبب نزول هذه الآية قال : كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد ودكي وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه ويقول : " كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم " فأنزل الله الآية .

وروي أيضا عن سالم عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " اللهم العن فلانا وفلانا ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن سهيل بن عمرو ، الله العن صفوان بن أمية " فنزلت هذه الآية ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) فتيب عليهم كلهم{[578]} .

قوله : ( أو يتوب عليهم أو يعذبهم ) كلا الفعلين يتوب ويعذب منصوب لكون كل واحد معطوفا على ( ليقطع ) والتقدير : ليقطع طرفا منهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم . وقيل : ( أو ) هنا بمعنى حتى ، فيكون المعنى : حتى يتوب عليهم وحتى يعذبهم . فالفعل منصوب بأن المضمرة بكعد حتى .

وقيل : ( أو ) بمعنى إلا أن . فتقدير المعنى : إلا أن يتوب عليهم وإلا أن يعذبهم{[579]} ومعنى الآية أنه يخاطب نبيه صلى الله عليه و سلم مبينا له أنه عبد مأمور ينر الناس ويبلغهم دعوة الحق وليس له بعد ذلك من مصير الناس أو مردهم شيء ، بل إن ذلك كله لله ، فهو سبحانه مالك أمر الناس جميعا ، يصنع بهم ما يشاء من الإهلاك أو الهزيمة أو التوبة إن أسلموا أو أن يعذبهم ، فإن عذبهم فإنما يعذبهم ؛ لأنهم ظالمون يستحقون التعذيب .

ومما يستقاد في هذا الصدد أن الله نهى نبيه صلى الله عليه و سلم عن لعن القوم أو الدعاء عليهم بالهلاك إشفاء لغليل أو إذهابا لغيظ تراكم من فرط ما فعله المشركون من فضائع الكيد والعدوان على الإسلام والمسلمين ، لكن القلب المؤمن الكبير المتميز الموصول بالله والذي لا يضاهيه قلب في القلوب جميعا ، ما كان ينبغي أن يكون كبقية القلوب لدى الأناسي في ذلك الزمان ولا في غيره من الأزمان . ولكن هذا القلب الذي يفيض بالإيمان وبالغ التقوى لا جرم أن يكون قمينا بالتسامي في الدرجات المعالي من التسامح والرحمة والبر بالخليقة . فهو أجدر أن يستنكف عن لعن القوم أو الدعاء عليهم بالاستئصال والإبادة . ولئن احتمل وغفر وصابر وعفا لسوف يجد في مقبل الأيام أن هؤلاء الأشرار الظلمة قد انقلبوا مؤمنين خيارا بعد أن فاءا إلى الصواب والرشد فباتوا من أشد الغيورين على دعوة الله .


[578]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 80.
[579]:- تفسير الرازي جـ 8 ص 239 والكشاف جـ 1 ص462.