وقوله : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) سارعوا أي بادروا ، والمسارعة بمعنى المبادرة . وفي الآية حذف . تقدير الكلام : سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطاعة . وقيل : أداء الفرائض . وقيل : المراد الإخلاص . وقيل : التوبة من الربا . وقيل غير ذلك . والصواب أن هذه الآية تعم الجميع .
قوله : ( وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) ندب الله عباده إلى المسارعة في فعل الخيرات وتقديم الطاعات لتحصيل المغفرة من الله وللفوز بالجنة الواسعة المديدة ، الجنة الوارفة الدائمة بكل ما فيها من آلاء وخيرات ومباهج ، وبكل ما يتمناه المرء من نعيم وبهجة واستمتاع مما ليس له في تصور الإنسان نظير ولا نديد ، لا جرم أن الجنة التي وعد الله عباده المتقين لا يدركه بال قاصر ولا يتصوره ذهن محدود من أذهان البشر ، فهي من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه ، ومن روائه ما قدره في الوجود تقديرا .
ولا يكشف للحس البشري أو تصوره عن روعة الجنة ومبلغها من الجمال والكمال غير آيات الكتاب الحكيم في ألفاظه الباهرة الفذة من مثل قوله سبحانه : ( وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) .
ومع ذلك كل هذا المدى من روعة الكلم الذي حواه القرآن عن وصف الجنة بأسلوبه الخارق الساحر ، لا تتردد بعض العقول القميئة في إفراز ما يندلق من سخائم النقد المتهافت مما يدينها بالإفلاس وعقم التفكير . ومن جملة ذلك قول بعضهم : إذا كانت الجنة عرضها مثل عرض السماوات والأرض فأين النار ؟
فقد روى الإمام أحمد في مسنده أن هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه و سلم : " إنك دعوتني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار ؟
وذكر أن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقال لهم عمر : أرأيتم إذا جاء النهار أين الليل ، وإذا جاء الليل أين النهار ؟ فقالوا : لقد نزعت مثلها من التوراة .
وروي عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : أرأيت قوله تعالى : ( جنة عرضها السماوات والأرض ) فأين النار ؟ قال : " أرأيت الليل إذا جاء ليس كل شيء فأين النهار " قال : حيث شاء الله . قال : " وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل " {[582]} قال ابن كثير في تبيين ذلك : وهذا يحتمل معنيين :
أحدهما : أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزمه من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان ، وإن كنا لا نعلمه . وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل .
الثاني : أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب فإن الليل يكون من الجانب الآخر ، فكذلك الجنة في أعلى معليين فوق السماوات تحت العرش وعرضها كما قال الله عز وجل : ( كعرض السماوات والأرض ) والنار في أسفل سافلين . فلا تنتفي بين كونها كعرض السماوات والأرض وبين وجود النار والله أعلم{[583]} .
قال الإمام الرازي في بيان ذلك : والمعنى والله أعلم أنه إذا دار الفلك حصل النهار في جانب من العالم ، والليل في ضد ذلك الجانب . فكذا الجنة في جهة العلو والنار في جهة السفل{[584]} .
وينبغي التذكير بحقيقة معقولة وهي أن رحابة الوجود أو اتساعه لا يتحدد مداه بسعة السموات والأرض ، فإن ما خلقه الله من وجود هائل ممتد لهو أكبر من حجم السماوات والأرض . وليس حجمهما إلا الجزء اليسير من حجم الوجود الكبير الذي تنطوي في خلاله الأشياء والخلائق جميعا ومنها السماوات والأرض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.