التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجٗا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (11)

قوله : { فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فاطر ، بالجر ، بدل من الضمير في { عليه } وبالرفع ، على أنه خبر لمبتدأ محذوف وتقديره : هو فاطر السماوات الأرض{[4087]} أي خالقهما ومبدعهما .

قوله : { جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } أي خلق لكم من أنفسكم إناثا . والمراد بذلك حواء ، فقد خلقت من نفس آدم . وقيل : خلق لكم من أنفسكم نسلا بعد نسل { وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا } والمراد بالأزواج الثمانية ؛ إذ جعل الله من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ، ذكورا وإناثا من كلا الصنفين .

قوله : { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي يخلقكم في ذلك الخلق ذكورا وإناثا نسلا بعد نسل وجيلا بعد جيل من الناس والأنعام . قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } الكاف ، زائدة للتوكيد ؛ أي ليس مثله شيء ؛ فهو خالق الأزواج كلها ؛ ولأنه الفرد الأحد الصمد الذي ليس له في الكون نظير .

قال القرطبي في هذا الصدد : والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعَليِّ صفاته لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يُشَبَّهُ به .

ونقل عن الواسطي قوله : ليس كذاته ذات ، ولا كاسمه اسم ، ولا كفعله فعل ، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ . وجَلَّت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة . وهذا مذهب أهل الحق والسنة والجماعة رضي الله عنهم .

وقال الرازي في ذلك : احتج علماء التوحيد قديما وحديثا بهذه الآية في نفي كونه تعالى جسما مركبا من الأعضاء والأجزاء ، وحاصلا في المكان والجهة . وقالوا : لو كان جسما لكان مثلا لسائر الأجسام فيلزم حصول الأمثال والأشباه له ، وذلك باطل بصريح قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } .

قوله : { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } يصف الله نفسه بأنه سميع لكل ما ينطق به الخلق ، وأنه البصير فيرى ما يقع من أعمال وأحداث ولا يخفى عليه من ذلك شيء فيحاسب العباد على كل ما فعلوه من الإحسان والإساءة .


[4087]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 345