التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ} (58)

قوله : { والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا } نكدا ، منصوب على الحال{[1439]} والبلد الطيب ، يراد به الأرض ذات التربة الخصيبة الكريمة ، إذا أنزل الله عليها الحيا والغيث خرج منها النبات الوافر ذو الثمر الطيب الغدق بإذن الله . أما الذي خبث فيراد به الأرض العسيرة التي لا تجدي ولا تنفع لكونها سبخة أو ذات حجارة وشوك ؛ فإنها لا تخرج غير النبات النكد . أي القليل الذي لا يخر فيه . ولا يخرج إلا نكدا أي عسرا وفي شدة . والنكد بالفتح ، مصدر وهو الشدة والضيق والشؤم واللؤم ، وعطاء منكود ؛ أي نزر قليل . والرجل المنكود ؛ هو الذي كثر سؤاله وقل خيره . ورجل نكد ؛ أي عسر ، وقوم أنكاد ومناكيد{[1440]} .

هذا مثل يضربه الله للناس ، يبين فيه اختلاف القلوب . فثمة قلب مؤمن كريم متفتح يعي حقيقة الإيمان والإخلاص ويقبل المواعظ والذكر ويلين للكلمة الصادقة الودود فيقبل على الله في طواعية ولين واستسلام . وقلب آخر مغاير كل مغايرة أو بعضها ؛ فهو منكود وموصد وعسر لا خير فيه . قلب جاحد فظ لا يروق له الصدق والعدل والصواب ، ولا تعطفه المواعظ والذكرى ، وهو لفرط قسوته وتبلده وضموره لا نؤثر فيه أسباب الهداية أو الترشيد ؛ فهو بذلك مستعص على كل هاتف من هواتف الدين المستقيم ، أو نداء من نداءات الهداة والمرشدين . ذلكم هو الإنسان النكد الشرير . الإنسان الظالم العتل الذي خبت فيه بصائص اللين والرحمة والجمال وغارت فيه كل ظواهر التدين والخير ، فأبي إلا التمرد والشرود والعصيان قوله : { كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون } أي مثلما صرفنا الآيات والبينات والدلائل لدحض الشرك وافتراءات الظالمين والمشركين ؛ فإنما نردد الآيات والحجج ونكرها لتدل على قدرة الله البالغة فيتدبرها الشاكرون وهم الذين يحسنون الانتفاع بهذه الدلائل والبينات .


[1439]:البيان لابن الأنباري جـ 1 ص 366.
[1440]:لسان العرب جـ 3 ص 427.