التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (44)

قوله تعالى : { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور } الضميران الكاف والهاء مفعولان . والمعنى : { وإذ يبصركم الله إياهم { قليلا } أي قللهم في أعينكم تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتزدادوا يقينا فتحملوا عليهم بجراءة وجد . قال ابن مسعود ( رضي الله عنه ) : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة . فأسرنا رجلا منهم . فقلنا له : كم كنتم ؟ قال ؟ ألفا .

وكذلك قلل الله المسلمين في أعين الكافرين . وهو قوله : { ويقللكم في أعينهم } حتى قال قائل من المشركين عن المسلمين : إنما هم أكلة جزور .

على أن الغرض من تقليل الكافرين في أعين المسلمين ظاهر . أما الغرض من تقليل المسلمين في أعين الكافرين : فوجهه أن الله قللهم في أعين الكافرين قبل اللقاء ؛ كيلا يبالوا بهم فيجترؤوا عليهم . ثم كثرهم الله بعد ذلك لتفجأ كثرتهم المشركين فيبهتوا ويهابوا فتميد شوكتهم ويفل جمعهم فيولوا الأدبار بعد ما رأوا ما لم يكن في حسبانهم .

قوله : { ليقضي الله أمر كان مفعولا } تكررت هذه الآية ؛ فقد ذكرت في الآية المتقدمة . والمقصود من ذكرنا هنا البيان من الله أنه قلل عدد المؤمنين في أعين المشركين ليصير ذلك سببا في أن لا يبالغ المشركين في تحصيل الاستعداد والحذر . وذلك سيفضي إلى هزيمتهم وإعزاز الإسلام والمسلمين .

قوله : { وإلى الله ترجع الأمور } مصير الأمور كلها إلى الله يوم القيامة . وحينئذ يجازي الله العباد بما علموا من إحسان وإساءة{[1670]} .


[1670]:الكشاف جـ 2 ص 161 وتفسير الرازي جـ 15 ص 175، 176 وتفسير الطبري جـ 10 ص 10،11.