قوله تعالى : { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور }
اعلم أن هذا هو النوع الثالث من النعم التي أظهرها الله للمسلمين يوم بدر ، والمراد أن القليل الذي حصل في النوم تأكد ذلك بحصوله في اليقظة . قال صاحب «الكشاف » : { وإذ يريكموهم } الضميران مفعولان يعني إذ يبصركم أياهم ، و{ قليلا } نصب على الحال .
واعلم أنه تعالى قلل عدد المشركين في أعين المؤمنين ، وقلل أيضا عدد المؤمنين في أعين المشركين . والحكمة في التقليل الأول ، تصديق رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأيضا لتقوى قلوبهم وتزداد جراءتهم عليهم ، والحكمة في التقليل الثاني : أن المشركين لما استقلوا عدد المسلمين لم يبالغوا في الاستعداد والتأهب والحذر ، فصار ذلك سببا لاستيلاء المؤمنين عليهم .
فإن قيل : كيف يجوز أن يريهم الكثير قليلا ؟
قلنا : أما على ما قلنا فذاك جائز ، لأن الله تعالى خلق الإدراك في حق البعض دون البعض . وأما المعتزلة فقالوا : لعل العين منعت من إدراك الكل ، أو لعل الكثير منهم كانوا في غاية البعد فما حصلت رؤيتهم .
ثم قال : { ليقضي الله أمرا كان مفعولا } .
فإن قيل : ذكر هذا الكلام في الآية المتقدمة ، فكان ذكره ههنا محض التكرار .
قلنا : المقصود من ذكره في الآية المتقدمة هو أنه تعالى فعل تلك الأفعال ليحصل استيلاء المؤمنين على المشركين على وجه يكون معجزة دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم . والمقصود من ذكره ههنا ، ليس هو ذلك المعنى ، بل المقصود أنه تعالى ذكر ههنا أنه قلل عدد المؤمنين في أعين المشركين ، فبين ههنا أنه إنما فعل ذلك ليصير ذلك سببا لئلا يبالغ الكفار في تحصيل الاستعداد والحذر ، فيصير ذلك سببا لانكسارهم .
ثم قال : { وإلى الله ترجع الأمور } والغرض منه التنبيه على أن أحوال الدنيا غير مقصودة لذواتها ، وإنما المراد منها ما يصلح أن يكون زادا ليوم المعاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.