{ وإذ يريكموهم } أي : المؤمنون { إذ التقيتم في أعينكم قليلاً } أي : إنّ الله تعالى قلل عدد المشركين في أعين المؤمنين يوم التقوا في القتال ليتأكد في اليقظة ما رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم في منامه ، وأخبر به أصحابه ، وتقوى بذلك قلوب المؤمنين وتزداد جراءتهم ولا يجبنوا عن قتالهم .
قال ابن مسعود : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلاً منهم فقلنا : كم كنتم ؟ قال : ألفاً ، والضميران مفعولا يرى ، وقليلاً حال من الثاني { ويقللكم في أعينهم } أي : ويقللكم يا معشر المؤمنين في أعينهم أي : المشركين ؛ لئلا يهربوا وإذا استقلوا عدد المسلمين لم يبالغوا في الاستعداد والتأهب لقتالهم ، فيكون ذلك سبباً لظهور المؤمنين .
قال السدّيّ : قال ناس من المشركين : إنّ العير قد انصرفت ، فارجعوا ، فقال أبو جهل : الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه ، فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم إنما محمد وأصحابه أكلة جزور يعني جمع آكل أي : قليل يشبعهم جزور واحد ، يضرب مثلاً في القلة والأمر الذي لا يعبأ به ، ثم قال : فلا تقتلوهم واربطوهم بالحبال ، أراد بقوله ذلك القدرة والقوّة .
فإن قيل : كيف يمكن تقليل الكثير وتكثير القليل ؟ أجيب : بأنّ ذلك ممكن في قدرة الله تعالى ، وإنّ الله تعالى على ما يشاء قدير ، ويكون ذلك معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمعجزة هي من خوارق العادات ، فلا ينكر ذلك ، أو أنّ الله تعالى يستر عنهم بعضه بساتر ، أو يحدث في أعينهم ما يستقلون له الكثير كما أحدث في عيون الحول ما يرون له الواحد اثنين ، قيل لبعضهم : إنّ الأحول يرى الواحد اثنين ، وكان بين يديه ديك قال : فمالي أرى هذين الديكين أربعة ، وهذا قبل : التحام القتال فلما التحم أراهم إياهم مثليهم كما في آل عمران { ليقضي الله أمراً كان مفعولاً } أي : في علمه ، وهو إعلاء كلمة الإسلام ونصر أهله .
فإن قيل : قد تقدّم ذلك في الآية المتقدّمة ، فكان ذكره هنا محض تكرار أجيب : بأنّ المقصود من ذكره في الآية المتقدّمة هو أنه تعالى فعل تلك الأفعال ليحصل استيلاء المؤمنين على الكافرين على وجه يكون معجزة دالة على صدق النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمقصود من ذكره هنا ليس هو ذلك المعنى بل المقصود أنه تعالى ذكر هنا أنه قلل عدد المؤمنين في أعين الكفار ، فبين تعالى أنه إنما فعل ذلك ليصير ذلك سبباً ؛ لئلا يبالغ الكفار في تحصيل الاستعداد والحذر فيصير ذلك سبباً لانكسارهم { وإلى الله ترجع الأمور } كلها فلا ينفذ إلا ما يريد إنفاذه فلا تجري الأمور على ما يظنه العباد ، وفي هذا تنبيه على أنّ أمور الدنيا غير مقصودة وإنما المراد منها ما يصلح أن يكون زاد اليوم المعاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.