لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (44)

قيل أراه إياهم في نومه صلى الله عليه وسلم - بوصف القِلَّة ، وأخبر أصحابه بذلك فازدادوا جسارة عليهم .

وقيل أراه في منامه أي في محل نومه أي في عينيه ، فمعناه قلَّلَهم في عينيه ؛ لأنهم لو استكثروهم لفشلوا في قتالهم ، ولانكسرت بذلك قلوبُ المسلمين .

وفي الجملة أراد اللهُ جريانَ ما حصل بينهم من القتال يومَ بدر ، وإنَّ اللهَ إذا أراد أمراً هَيَّأ أسبابَه ؛ فقلَّلَ الكفارَ في أعين المسلمين فزادوا جسارةً ، وقلَّلَ المسلمين في أعين الكفار فازدادوا - عند نشاطهم إلى القتال - صغراً في حكم الله وخسارةً .

{ واللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }[ آل عمران : 154 ] : وكيف لا ؟ ومنه تصدُرُ المقاديرُ ، وإليه تُرْجَع الأمور .

ويقال إذا أراد الله نصرة عبدٍ فلو كَادَ له جميعُ البشر ، وأراده الكافةُ بكل ضَرَرٍ ، لا ينفع مَنْ شاءَ مَضَرَّتَه كَدٌّ ، ويحصل بينه وبين متاح لطفه به سَدٌّ .

وإذا أراد بعبدٍ سوءاً فليس له رَدٌّ ، ولا ينفعه كَدٌّ ، ولا ينعشه بعد ما سقط في حكمه جَهْدٌ .