فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (44)

قوله : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ } الظرف منصوب بمضمر معطوف على الأوّل : أي واذكروا وقت إراءتكم إياهم حال كونهم قليلاً ، حتى قال القائل من المسلمين لآخر : أتراهم سبعين ؟ قال : هم نحو المائة . وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى قال قائلهم : إنما هم أكلة جزور ، وكان هذا قبل القتال ، فلما شرعوا فيه كثر الله المسلمين في أعين المشركين ، كما قال في آل عمران : { يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْي العين } ، ووجه تقليل المسلمين في أعين المشركين هو أنهم إذا رأوهم قليلاً أقدموا على القتال غير خائفين ، ثم يرونهم كثيراً فيفشلون ، وتكون الدائرة عليهم ، ويحلّ بهم عذاب الله وسوط عقابه . واللام في { لّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } متعلقة بمحذوف كما سبق مثله قريباً . وإنما كرره لاختلاف المعلل به { وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور } كلها يفعل فيها ما يريد ويقضي في شأنها ما يشاء .

وقد أخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد ، في قوله : { إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً } قال : أراه الله إياهم في منامه قليلاً ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك فكان ذلك تثبيتاً لهم . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة ، في قوله : { وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ } يقول : لجبنتم { ولتنازعتم فِي الأمر } قال : لاختلفتم . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : { ولكن الله سَلَّمَ } أي : أتمّ ، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عنه { ولكن الله سَلَّمَ } يقول : سلم لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوّهم .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود ، في قوله : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ } الآية قال : لقد قلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي : تراهم سبعين ؟ قال : لا بل هم مائة ، حتى أخذنا رجلاً منهم ، فسألناه قال : كنا ألفاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن عكرمة ، في الآية قال : حضض بعضهم على بعض . قال ابن كثير : إسناده صحيح . وأخرج ابن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير في قوله : { لّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } أي ليلف بينهم الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه ، والإنعام على من أراد النعمة عليه من أهل ولايته .