التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (32)

قوله تعالى : { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون 32 هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } .

يريد الكافرون من أهل الكتاب والوثنين والملحدين وغيرهم من أهل الكفر { أن يطفئوا نور الله } وهو القرآن الكريم ؛ فهو أصل الإسلام كله . الدين الكبير الشامل الذي يتناول القضايا والمشكلات والمسائل البشرية كافة . ذلكم الإسلام العظيم الرحب يريد الكافرون على اختلاف مللهم ونجلهم ومذاهبهم أن يطفئوه بأفواههم . وذلك بأقاويلهم الباطلة وافتراءاتهم الكاذبة التي يثيرونها في كل مكان ومجال . وذلك هو ديدن الكافرين في كل الأزمنة ، وخصوصا في هذا العصر الذي تنشط فيه أفواه الظالمين من خصوم الإسلام من استعمارين وصليبين وصهيونيين ووثنين ومحلدين وعملاء . كل أولئك يريدون أن يطفئوا نور الإسلام بما يبثونه وينشرونه من الكلمات والخطابات المنطوقة ، لا يبتغون من ذلك إلا تشويه الإسلام والإساءة إلى سمعته وروعته وصلوحه .

ويلحق بما يخرج من الأفواه ما تخطه أقلام الظالمين والمعوقين الذين يصدون عن منهج الله ، والذين يحرضون البشرية على الشرود والنفور من الإسلام وجنبته والارتداد عنه . ومجال الأقلام في محاربة الإسلام هائل وخطير وبالغ التأثير ؛ فإن الأقلام التي تخط المقالات والمنشورات والكتب في محاربة الإسلام وصد الناس عن هذا الدين لهي فظيعة وخبيثة ومؤثرة . وكم عانى المسلمون من افتراءات الكافرين الظالمين الذين يشنعون على المسلمين في سمعتهم وقيمهم وأخلاقهم وعاداتهم تشنيعا ! وكم واجه الإسلام نفسه من أباطيل أعدائه المتربصين الذين يكيدون له طيلة الزمان كيدا ! وذلك بمختلف الأساليب في التشويه والتشكيك والتنفير للحيلولة بين البشرية وهذا الدين .

ولقد بلغ الكافرون والمتربصون غاياتهم في تشويه الإسلام بما تخطه أيديهم الأثيمة من مقالات السوء والافتراء ، واصطناع الشبهات والأكاذيب الملفقة عن الإسلام . وبالرغم مما يبذله المشركون والحاقدون العتاة من هائل الطاقات المنطوقة والمخطوطة والمصورة في الكيد لهذا الدين من اجل تدميره أو استئصاله ؛ فإن هذه الجهود والطاقات لسوف تبوء بالفشل الذريع . وهو قوله سبحانه وتعالى : { ويأتي الله إلا أن يتم نوره } وذلك قرار رباني كبير وخالد لا يقبل الشك أو الجدل ؛ وهو أن هذا الدين لا جرم قائم ، وأنه شائع في الآفاق وفي سائر أنحاء الدنيا ؛ فقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( عن الله زوى{[1761]} لي الأرض مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ) .

وروي الإمام أحمد بإسناده عن تميم الداري ( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال : ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنها . ولا يترك الله بيت مدر ولا بر إلا أدخله هذا الدين يعز عزيزا ويذل ذليلا ؛ عزا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر ) .

ولئن ظهر الإسلام وشارع في العصور الفائتة تحقيقا قوله تعالى : { ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } فإن عود الإسلام من جديد كيما يهيمن على الواقع البشري كله ليس بالأمر البعيد . بل إن ذلك مرهون بالأسباب التي تفضي بالضرورة لهيمنة الإسلام وتطبيق شريعته في المجتمع . وسبيل المسلمين لهذا الأمل الكبير المنتظر أن يتلاقوا جميعا على عقيدة التوحيد بعيدا عم كل ألوان الشرك والنفاق والرياء والفرقة والأثرة . وأن تترسخ في قلوبهم حقيقة التقوى وهي الخوف من الله وحده دون أحد سواه . وأن تتركز بينهم آصرة الأخوة في العقيدة والدين فتسمو هذه على كل الأواصر المحدودة الأخرى . وأن يتهيأوا لليوم الفاصل الذي يواجهون فيه أعدائهم المتربصين فيستعيدون لذلك كامل الاستعداد من غير تفريط ولا تقصير ولا تردد . فيتزودون لذلك بزاد القوة الكافية التي يرهب بها المسلمون عدو الله وعدوهم . وهذه إحدى الوسائل التي لا مناص من التلبس بها ؛ لأن أعداء الله لا تردعهم أساليب المجادلات والمحاورات المنطقية ، ولا يصدهم الخلق الكريم ، أو التعامل بالرفق والمودة واللين ، إن أعداء الله لا يردعهم ولا يصدهم عن الشر والعدوان على المسلمين إلا قوة السلاح المرعب بكل ما تعنيه القوة من الأسباب العلمية والتقنية والمادية والعسكرية . وهو مقتضى قوله تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } وبغير ذلك لسوف يبقى الظالمون والأشرار يعتدون على الإسلام والمسلمين ، فيكيلون لهم الضربات والويلات بغير رادع ولا انقطاع .

وعلى أية حال ؛ فإن الإسلام باق لا يزول ولا يفنى مهما طغى عليه العتاة والمتجبرون . ومهما تزاحمت من حوله المؤامرات والخيانات والافتراءات . إن الإسلام باق بقاء الشمس والقمر ، وبقاء النجوم والكواكب التي توجب أجواز الفضاء بغير انقطاع ولا توقف حتى تقوم القيامة ؛ لأن الإسلام قدر رباني حكيم وثابت . وظاهرة كونية كبرى من ظواهر هذا الوجود المستديم إلى قيام الساعة ؛ وبذلك لا تقوى قوى البغي والظلام والعدوان والشر على استئصال الإسلام من الدنيا . وهو بالرغم من يعتريه الآن من ظواهر الضعف والاضطراب لفرط ما يحيق به من كيد وتآمر ولكثافة الضربات التي يوجهها إليه الظالمون والأشرار ؛ فإنه لن يفنى ولن يزول بل إنه راسخ ومستطير وسيعاود الظهور والاستعلاء لا محالة ؛ ليظهر على العالمين بإذن الله . وهذا مقتضى قوله سبحانه : { وهو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } .


[1761]:زوي: جمع وقبض. انظر القاموس المحيط ص 1667.