فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (32)

{ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم } هذا كلام يتضمن ذكر نوع آخر من أنواع ضلالهم وبعدهم عن الحق ، وهو ما راموه من إبطال الحق بأقاويلهم الباطلة التي هي مجرد كلمات ساذجة ومجادلات زائفة ، وهذا تمثيل لحالهم في محاولة إبطال دين الحق ونبوة نبي الصدق بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم قد أنارت به الدنيا وانقشعت به الظلمة يطفئه ويذهب أضواءه ، قيل المراد بالنور شرائعه وبراهينه ، وسميت الدلائل نورا لأنه يهتدى بها إلى الصواب كما يهتدى بالنور إلى المحسوسات .

وقيل المراد به الدلائل الدالة على صحة نبوته صلى الله عليه وآله وسلم وهي أمور :

أحدها : المعجزات الباهرات الخارقة للعادات .

وثانيها : القرآن العظيم وهو معجزة له باقية على الأبد .

وثالثها : أن دينه الذي أمر به هو دين الإسلام ليس فيه شيء سوى تعظيم الله والثناء عليه والانقياد لأمره ونهيه والتبري من كل معبود سواه : فهذه أمور نيرة ودلائل واضحة في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى صدقه ، فمن أراد إبطال ذلك بكذب وتزوير فقد خاب سعيه وبطل عمله .

{ ويأبى الله إلا أن يتم نوره } أي دينه القويم بإعلاء كلمته ، قال في الكشاف أن أبى قد أجري مجرى لم يرد أي ولا يريد إلا أن يتم نوره ، وقال علي بن سليمان : إنما جاز هذا في أبى لأنها منع أو امتناع فضارعت النفي . قال النحاس : وهذا أحسن وقال الزجاج : التقدير ويأبى الله كل شيء إلا أن يتم ، وقال الفراء : إنما دخلت ( إلا ) لأن في الكلام طرفا من الجحد ، وإنما صح الاستثناء المفرغ من الموجب لكونه بمعنى النفي ، وفيه من المبالغة والدلالة على الامتناع ما ليس في نفي الإرادة ، أي لا يريد شيئا من الأشياء إلا إتمام نوره ، فيندرج في المستثنى منه بقاؤه على ما كان عليه فضلا عن الإطفاء . قاله الكرخي .

{ ولو كره الكافرون } أي أبى الله إلا أن يتم نوره ويعلي دينه ويظهر كلمته ويتم الحق الذي بعث الله به رسوله ولو كره ذلك الكافرون ، وجواب لو محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير ولو كره الكافرون تمام نوره لأتمه ولم يبال بكراهتهم وقيل لو يكرهوه أو كرهوه أي على كل حال مفروضة .