نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (32)

ولما وهى سبحانه أمرهم من جهة استنادهم{[36090]} ، زاده توهية من جهة مرادهم بالإعلام بأنهم بقتالهم لأهل الطاعة إنما{[36091]} يقاتلون الله وأنه لا ينفذ غرضهم بل يريد غير ما يريدون ، ومن المقرر أنه لا يكون إلا ما يريد ، فقال مستأنفاً أو معللاً لما مضى من أقوالهم وأفعالهم : { يريدون أن يطفئوا } أي بما مضى ذكره من أحوالهم { نور الله } أي دين الملك الأعلى الذي له الإحاطة العظمى ، وشرعه الذي شرعه لعباده على ألسنة الأنبياء والرسل ، كل ذلك ليتمكنوا من العمل بالأغراض والأهوية ، فإن اتباع الرسل حاسم للشهوات ، وهم أبعد الناس عن ذلك .

ولما حقر شأنهم ، هدمه بالكلية بقوله : { بأفواههم } أي بقول خال عن شيء يثبته أو يمضيه وينفذه ، وفي تسمية دينه نوراً ومعاندتهم إطفاء بالأفواه تمثيل لحالهم بحال من يريد إطفاء نور الشمس بنفخه { ويأبى } أي والحال أنه يفعل فعل الأبيّ وهو أنه لا يرضى { الله } أي الذي له جميع العظمة والعز ونفوذ الكلمة { إلا أن يتم نوره } أي لا يقتصر على مجرد إشراقه ، بل وعد - وقوله الحق - بأنه لا بد من إكماله وإطفائه لكل ما عداه وإحراقه . ولما في " يأبى " من معنى الجحد دخل عليه الاستثناء ، أي إنه يأبى كل حالة إلا حالة إتمامه نوره على التجدد والاستمرار { ولو كره الكافرون* } أي العريقون{[36092]} في الكفر فكيف بغيرهم .


[36090]:في ظ: إسنادهم.
[36091]:زيد من ظ.
[36092]:في ظ: العريقين.