معاني القرآن للفراء - الفراء  
{يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (32)

وقوله : { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ }

دخلت ( إِلاّ ) لأن في أَبيت طَرَفا من الجحد ؛ ألا ترى أن ( أبيت ) كقولك : لم أفعل ، ولا أفعل ، فكأنه بمنزلة قولك : ما ذهب إلا زيد . ولولا الجحد إذا ظهر أو أتى الفعل محتمِلا لضميره لم تُجِزْ دخول إلاّ ؛ كما أنك لا تقول : ضربت إلا أخاك ، ولا ذهب إلا أخوك . وكذلك قال الشاعر :

وهل لِي أُمّ غيرها إِن تركتها *** أَبى اللّهُ إِلا أن أكون لها ابنما

وقل الآخر :

إيَاداً وأنمارها الغالبين *** إلاَّ صدودا وإلا ازوِرارا

أراد : غلبوا إلا صدودا وإلا ازورارا ، وقال الآخر :

واعتلّ إلا كل فرع معرق *** مثلك لا يعرف بالتلهوق

فأدخل ( إلا ) لأن الاعتلال في المنع كالإباء . ولو أراد عِلّة صحيحة لم تدخل إلا ؛ لأنها ليس فيها معنى جحد . والعرب تقول : أعوذ بالله إلا منك ومن مثلك ؛ لأن الاستعاذة كقولك : اللهم لا تفعل ذا بي .