بَقي قولهم : { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } [ الإسراء : 92 ] غيرَ مردود عليهم ، لأن له مخالفة لبقية ما اقترحوه بأنه اقتراح آية عِذاب ورعب ، فهو من قبيل آيات موسى عليه السلام التسع . فكان ذكر ما آتاه الله موسى من الآيات وعدم إجداء ذلك في فرعون وقومه تنظيراً لما سأله المشركون .
والمقصود : أننا آتينا موسى عليه السلام تسع آيات بيّناتتِ الدلالة على صدقه فلم يهتد فرعون وقومه وزعموا ذلك سحراً ، ففي ذلك مَثلٌ للمكابرين كلهم وما قريش إلا منهم . ففي هذا مثَل للمعاندين وتسلية للرسول . والآيات التسع هي : بياض يده كلما أدخلها في جيبه وأخرجَها ، وانقلاب العصا حية ، والطوفان ، والجراد ، والقُمّل ، والضفادع ، والدم ، والرجز وهو الدمل ، والقحط وهو السنون ونقص الثمرات ، وهي مذكورة في سورة الأعراف . وجمعها الفيروزآبادي في قوله :
عَصًا ، سَنَةٌ ، بَحْر ، جراد ، وقُمّل *** يَدٌ ، ودَمٌ ، بعد الضفادع طُوفَانُ
فقد حصلت بقوله : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } الحجة على المشركين الذين يقترحون الآيات .
ثم لم يزل الاعتناء في هذه السورة بالمقارنة بين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالة موسى عليه السلام إقامةً للحجة على المشركين الذين كذبوا بالرسالة بعلة أن الذي جاءهم بشر ، وللحجة على أهل الكتاب الذين ظاهروا المشركين ولقنوهم شُبه الإلحاد في الرسالة المحمدية ليصفو لهم جَوّ العلم في بلاد العرب وهم ما كانوا يحسبون لما وراء ذلك حساباً .
فالمعنى : ولقد آتينا موسى تسع آيات على رسالته .
وهذا مثل التنظير بين إيتاء موسى الكتاب وإيتاء القرآن في قوله في أول السورة { وآتينا موسى الكتاب } [ الإسراء : 2 ] الآيات ، ثم قوله : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } [ الإسراء : 9 ] .
فتكون هذه الجملة عطفاً على جملة { قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً } [ الإسراء : 93 ] أو على جملة { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي } الآية [ الإسراء : 100 ] .
ثم انتقل من ذلك بطريقة التفريع إلى التسجيل ببني إسرائيل استشهاداً بهم على المشركين ، وإدماجاً للتعريض بهم بأنهم سَاووا المشركين في إنكار نبوءة محمد ومظاهرتهم المشركين بالدس وتلقين الشبه ، تذكيراً لهم بحال فرعون وقومه { إذ قال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً } .
والخطاب في قوله : { فسئل } للنبيء صلى الله عليه وسلم والمراد : سؤال الاحتجاج بهم على المشركين لا سؤال الاسترشاد كما هو بين .
وقوله : { مسحوراً } ظاهره أن معناه متأثراً بالسحر ، أي سحَركَ السحرة وأفسدوا عقلك فصُرت تهرف بالكلام الباطل الدال على خلل العقل ( مثل المَيْمون والمشؤوم ) . وهذا قول قاله فرعون في مقام غير الذي قال له فيه { يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره } [ الشعراء : 35 ] ، والذي قال فيه { إن هذا لساحر عليم } ، [ الشعراء : 34 ] فيكون إعراضاً عن الاشتغال بالآيات وإقبالاً على تطلع حال موسى فيما يقوله من غرائب الأقوال عندهم .
ألا ترى إلى قوله تعالى حكاية عنه قال { لمن حوله ألا تستمعون } [ الشعراء : 25 ] . وكل تلك أقوال صدرت من فرعون في مقامات محاوراته مع موسى عليه السلام فحكي في كل آية شيء منها .
و ( إذا ) ظرف متعلق ب { آتينا } . والضمير المنصوب في { جاءهم } عائد إلى بني إسرئيل . وأصل الكلام : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات إذ جاء بني إسرائيل ، فاسألْهم .
وكان فرعون تعلق ظنه بحقيقة ما أظهر من الآيات فرجح عنده أنها سحر ، أوْ تعلق ظنه بحقيقة حال موسى فرجح عنده أنه أصابه سحر ، لأن الظن دون اليقين ، قال تعالى : { إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين } [ الجاثية : 32 ] . وقد يستعمل الظن بمعنى العلم اليقين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.