{ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا . قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا } في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن المقصود من هذا الكلام أيضا الجواب عن قولهم : { لن نؤمن لك } حتى تأتينا بهذه المعجزات القاهرة فقال تعالى : { إنا آتينا موسى } معجزات مساوية لهذه الأشياء التي طلبتموها بل أقوى منها وأعظم فلو حصل في علمنا أن جعلها في زمانكم مصلحة لفعلناها كما فعلنا في حق موسى فدل هذا على إنا إنما لم نفعلها في زمانكم لعلمنا أنه لا مصلحة في فعلها .
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى ذكر في القرآن أشياء كثيرة من معجزات موسى عليه الصلاة والسلام . أحدها : أن الله تعالى أزال العقدة من لسانه قيل في التفسير ذهبت العجمة وصار فصيحا . وثانيها : إنقلاب العصا حية . وثالثها : تلقف الحية حبالهم وعصيهم مع كثرتها . ورابعها : اليد البيضاء وخمسة أخر وهي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم . والعاشر : شق البحر وهو قوله : { وإذ فرقنا بكم البحر } والحادي عشر : الحجر وهو قوله : { أن أضرب بعصاك الحجر } . الثاني عشر : إظلال الجبل وهو قوله تعالى : { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة } . والثالث عشر : إنزال المن والسلوى عليه وعلى قومه . والرابع عشر والخامس عشر : قوله تعالى : { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات } . والسادس عشر : الطمس على أموالهم من النحل والدقيق والأطعمة والدراهم والدنانير ، روى أن عمر بن عبد العزيز سأل محمد بن كعب عن قوله : { تسع آيات بينات } فذكر محمد بن كعب في مسألة التسع حل عقدة اللسان والطمس فقال عمر بن عبد العزيز هكذا يجب أن يكون الفقيه ثم قال : يا غلام اخرج ذلك الجراب فأخرجه فنفضه فإذا فيه بيض مكسور نصفين وجوز مكسور وفول وحمص وعدس كلها حجارة إذا عرفت هذا فنقول إنه تعالى ذكر في القرآن هذه المعجزات الستة عشر لموسى عليه الصلاة والسلام وقال في هذه الآية : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } وتخصيص التسعة بالذكر لا يقدح فيه ثبوت الزائد عليه لأنا بينا في أصول الفقه أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد بل نقول إنما يتمسك في هذه المسألة بهذه الآية ثم نقول : أما هذه التسعة فقد اتفقوا على سبعة منها وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وبقي الاثنان ولكل واحد من المفسرين قول آخر فيهما ولما لم تكن تلك الأحوال مستندة إلى حجة ظنية فضلا عن حجة يقينية لا جرم تركت تلك الروايات ، وفي تفسير قوله تعالى : { تسع آيات بينات } أقوال أجودها ما روى صفوان بن عسال أنه قال : إن يهوديا قال لصاحبه إذهب بنا إلى هذا النبي نسأله عن تسع آيات فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألاه عنها فقال : هن أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا الفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود أن تعدوا في السبت فقام اليهوديان فقبلا يديه ورجليه وقالوا نشهد إنك نبي ولولا نخاف القتل وإلا اتبعناك .
المسألة الثالثة : قوله : { فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم } فيه مباحث :
البحث الأول : فيه وجوه : الوجه الأول : أنه اعتراض دخل في الكلام والتقدير : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } إذ جاء بني إسرائيل فاسألهم- وعلى هذا التقدير فليس المطلوب من سؤاله بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود وعلمائهم صدق ما ذكره الرسول فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد . والوجه الثاني : أن يكون قوله { فاسأل بني إسرائيل } أي سلهم عن فرعون . وقل له أرسل معي بني إسرائيل . والوجه الثالث : سل بني إسرائيل أي سلهم أن يوافقوك والتمس منهم الإيمان الصالح . وعلى هذا التأويل فالتقدير فقلنا له سلهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك .
البحث الثاني : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يسأل بني إسرائيل معناه الذين كانوا موجودين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم والذين جاءهم موسى عليه الصلاة والسلام هم الذين كانوا في زمانه إلا أن الذين كانوا في زمان محمد صلى الله عليه وسلم لما كانوا أولاد أولئك الذين كانوا في زمان موسى حسنت هذه الكناية . ثم أخبر تعالى أن فرعون قال لموسى : { إني لأظنك يا موسى مسحورا } وفي لفظ المسحور وجوه . الأول : قال الفراء : إنه بمعنى الساحر كالمشئوم والميمون وذكرنا هذا في قوله : { حجابا مستورا } أنه مفعول من السحر أي أن الناس سحروك وخبلوك فتقول هذه الكلمات لهذا السبب . الثالث : قال محمد بن جرير الطبري معناه أعطيت علم السحر ، فهذه العجائب التي تأتي بها من ذلك السحر
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.