تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا} (101)

{ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إنّي لأظنّك يا موسى مسحورا ( ‍101 ) قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنّك يا فرعون مثبورا ( 102 ) فأراد أن يستفزّهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا ( 103 ) وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ( 104 ) }

المفردات :

بيّنات : أي : واضحات .

مسحورا : أي : مخبول العقل .

101

التفسير :

101- { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات . . . }

أي : ولقد أعطينا موسى تسع آيات واضحات الدلالة على صحة نبوته وصدقه ، حين أرسل إلى فرعون وقومه فلم يؤمنوا بها ، كما قال تعالى : { فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين } . ( يونس : 75 ) وقال : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا . . . } ( النمل : 14 ) .

وقد ذكر سبحانه في كتابه العزيز ست عشرة معجزة لموسى عليه السلام .

تتمثل فيما يلي :

1- انقلاب العصا حية .

2- تلقف الحية حبالهم وعصيهم على كثرتها .

3- اليد البيضاء .

8 ، 7 ، 6 ، 5 ، 4- الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع والدم{[500]} .

9- شق البحر . {[501]}

10- انفلاق الحجر في قوله : { فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتى عشرة عينا . . . } ( البقرة : 60 ){[502]} .

11- إظلال الجبل في قوله : { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلّة . . . } ( الأعراف : 171 ) .

12- إنزال المن والسلوى عليه وعلى قومه{[503]} .

14 ، 13- الجدب ، ونقص الثمرات في قوله : { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون } ( الأعراف : 130 ) .

15- الطمس على أموالهم من الحنطة والدقيق والأطعمة{[504]} .

16- إزالة العقدة من لسان موسى ، أي : أهب الله العجمة عن لسانه وصار فصيحا ، وقد اختلفوا في المراد من هذه الآيات التسع .

جاء في تفسير النيسابوري وابن جرير الطبري من طرق عدة عن ابن عباس : أن الآيات التسع هن : العصا ، واليد ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والحجر ، والبحر ، والطور الذي نتقه على بني إسرائيل .

وعن الحسن : الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الحجر والبحر والطور{[505]} .

وقيل : المراد بالآيات : الأحكام فقد أخرج الإمام أحمد والبيهقي والطبراني والنسائي وابن ماجة أن اليهوديين قال أحدهما لصاحبه ؛ انطلق بنا إلى هذا النبي فنسأله ، فأتاه صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قول الله تعالى { ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات . . . } فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسرقوا ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ؛ ليقتله ولا تقذفوا محصنة ، وأنتم يا يهود عليكم خاصة ألا تعدوا في السبت ) فقبلا يده ورجله وقالا : نشهد أنك نبي قال : فما يمنعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا ألا يزال من ذريته نبي ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود .

قال الإمام فخر الدين الرازي : هو أجود ما قيل في الآيات التسع . وقال الشهاب الخفاجي : وهذا هو التفسير الذي عليه المعول في الآية .

ورأى أن عد الأحكام من الآيات البينات فيه بعد ؛ لأن كل رسالة سماوية تشتمل على أحكام وآداب .

فلماذا خص الله موسى بتسع آيات ؟

الراجح أنها معجزات أيد الله بها موسى ، وقد أيد الله موسى بأكثر من تسع آيات ، فعد بعض المفسرين جانبا منها وترك بعضهم جانبا آخر .

إلا أن تخصيص العدد بالذكر لا يقدح في الزيادة عليه هكذا قال الأصوليون : ولكن الذوق يأبى ألا يكون للتخصيص فائدة والذي يدور في خلدي أن سبب التخصيص هو أن مرجع معجزاته إلى تسعة أنواع كالسنين ونص الثمرات مثلا فإنهما نوع واحد{[506]} والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم يمكن أن تكون آية واحدة تشمل ألوانا من العذاب عذب الله بها أهل مصر ، ليفكروا جديا في صدق رسالة موسى .

{ فاسأل بني إسرائيل } . والخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم والسؤال سؤال استشهاد لمزيد الطمأنينة والإيقان ؛ لأن الأدلة إذا تظاهرت كان ذلك أقوى وأثبت والمسئولون هم مؤمنو بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وأصحابه .

{ إذ جاءهم{[507]} فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا }{[508]} .

أي : فذهب موسى إلى فرعون وأظهر آياته ودعاه بالإيمان بالله ولإرسال بني إسرائيل معه ، فقال له فرعون ؛ إني لأظنك يا موسى مخلص العقل ، ومن ثم ادعيت ما دعيت ، مما لا يقول مثله كامل العقل حصيف الرأي ، وهذا كقوله : { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون } . ( الشعراء : 27 ) .


[500]:- ورد ذلك في الآية 133 من سورة الأعراف وهي: {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين}. {والطوفان} ما طاف بهم وغشي أماكنهم، وهو في اللغة: المطر الغالب والماء الذي يغشى كل شيء والسيل المغرق. (القمل) صغار الذر وقيل: أولاد الجراد واحدتها: قملة، وهي غير القملة المعروفة التي جمعها قمل (والضفادع) معروفة واحدها: ضفدع وضُفدع. والمعنى: أرسل الله على آل فرعون السيول تهلك مزروعاتهم والجراد يجتاح ثمارهم والقمل والضفادع فامتلأت بها بيوتهم، والدم تلوثت به مياههم فاستكبروا مع كل هذه لبلايا وكانوا مجرمين.
[501]:- ورد ذلك في الآية 90 من سورة يونس وفيها: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدرك الغرق قال آمنت. . . } وفي الآية 77 من سورة طه: {فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا. . . }
[502]:- ورد ذلك أيضا في الآية 60 من سورة البقرة، وفي الآية 160 من سورة الأعراف.
[503]:- ورد ذلك في سورة البقرة الآية 57، وفي الأعراف الآية 160، وفي طه الآية80، حيث تقول الآية: {وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى} والمن: شيء حلو مثل العسل أبيض كالثلج كان ينزل بالليل على شجرهم، والسلوى طائر السمان.
[504]:- ورد ذلك في الآية 88 من سورة يونس، والطمس: هو محق الأموال وإهلاكها.
[505]:- تفسير النيسابوري 15/98، وقارن بتفسير المراغي 15/104.
[506]:- تفسير النيسابوري.
[507]:- {إذ جاءهم} يتعلق بآياتنا أو ينتصب بإضمار اذكر، أو هو للتعليل والمراد: فاسألهم يخبروك؛ لأنه جاءهم أي: جاء آباءهم وانظر تفسير النيسابوري.
[508]:- {مسحورا} بمعنى: سحرت فخولط عقلك. أو بمعنى: ساحر، على النسب أو حقيقة. وهو يناسب قلب العصا ثعبانا.