البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا} (101)

و { تسع آيات } قال ابن عباس وجماعة من الصحابة : هي اليد البيضاء ، والعصا ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم هذه سبع باتفاق ، وأما الثنتان فعن ابن عباس لسانه كان به عقد فحلها الله ، والبحر الذي فلق له .

وعنه أيضاً البحر والجبل الذي نتق عليهم .

وعنه أيضاً السنون ونقص من الثمرات وقاله مجاهد والشعبي وعكرمة وقتادة .

وقال الحسن : السنون ونقص الثمرات آية واحدة ، وعن الحسن ووهب البحر والموت أرسل عليهم .

وعن ابن جبير الحجر والبحر .

وعن محمد بن كعب : البحر والسنون .

وقيل : { تسع آيات } هي من الكتاب ، وذلك أن يهودياً قال لصاحبه : تعالى حتى نسأل هذا النبيّ فقال الآخر لا تقل إنه نبيّ فإنه لو سمع كلامك صارت له أربعة أعين ، فأتياه وسألاه عن { تسع آيات بينات } فقال : لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله ، ولا تسخروا ، ولا تقذفوا المحصنات ، ولا تفروا من الزحف ، وعليكم خاصة يهود أن لا تعتدوا في السبت ، قال : فقبلا يده وقالا : نشهد أنك نبيّ فقال : ما منعكما أن تسلما ؟ قالا : إن داود دعا الله أن لا يزال في ذريته نبيّ وإنّا نخاف إن أسلمنا تقتلنا اليهود .

قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .

وقرأ الجمهور : فسل { بني إسرائيل } وبنو إسرائيل معاصروه ، وفسل معمول لقول محذوف أي فقلنا سل ، والظاهر أنه خطاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمره أن يسألهم عما أعلمه به من غيب القصة .

ثم قال : { إذ جاءهم } يريد آباءهم وأدخلهم في الضمير إذ هم منهم .

وقال الزمخشري : سلهم عن إيمانهم وعن حال دينهم ، أو سلهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك .

ويدل عليه قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فسأل { بني إسرائيل } على لفظ الماضي بغير همز وهي لغة قريش .

وقيل : فسل يا رسول الله المؤمنين من بني إسرائيل وهم عبد الله بن سلام وأصحابه عن الآيات لتزداد يقيناً وطمأنينة قلب ، لأن الدلالة إذا تظافرت كان ذلك أقوى وأثبت كقول إبراهيم عليه السلام { ولكن ليطمئن قلبي } انتهى .

وهذا القول هو الأول وهو ما أعلمه به من غيب القصة .

ولما كان متعلق السؤال محذوفاً احتمل هذه التقديرات ، والظاهر أن الأمر بالسؤال لبني إسرائيل هو حقيقة .

وقال ابن عطية ما معناه : يحتمل أن يكون السؤال عبارة عن تطلب أخبارهم والنظر في أحوالهم وما في كتبهم .

نحو قوله { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } جعل النظر والتطلب معبراً عنه بالسؤال ، ولذلك قال الحسن : سؤالك إياهم نظرك في القرآن ، والظاهر أن { إذ } معمولة لآتينا أي { آتينا } حين جاء أتاهم .

وقال الزمخشري : فإن قلت : بم نعلق { إذ جاءهم } ؟ قلت : أما على الوجه الأول فبالقول المحذوف أي فقلنا له سلهم حين جاءهم ، وأما على الآخر فبآتينا أو بإضمار اذكر أو يخبرونك انتهى .

ولا يتأتى تعلقه باذكر ولا بيخبرونك لأنه ظرف ماض .

وقراءة فسأل مروية عن ابن عباس .

قال ابن عباس : كلام محذوف وتقديره فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أي طلبهم لينجيهم من العذاب انتهى .

وعلى قراءة فسل يكون التقدير فقلنا له سل { بني إسرائيل } أي سل فرعون إطلاق بني إسرائيل .

وقال أبو عبد الله الرازي : فسل { بني إسرائيل } اعتراض في الكلام والتقدير ، { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } إذ جاء { بني إسرائيل } فسلهم وليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم ، بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود صدق ما ذكره الرسول عليه السلام ، فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد انتهى .

وعلى قراءة فسأل ماضياً وقدره فسأل فرعون { بني إسرائيل } يكون المفعول الأول لسأل محذوفاً ، والثاني هو { بني إسرائيل } وجاز أن يكون من الأعمال لأنه توارد على فرعون سأل وفقال فأعمل ، الثاني على ما هو أرجح .

والظاهر أن قوله { مسحوراً } اسم مفعول أي قد سحرت بكلامك هذا مختل وما يأتي به غير مستقيم وهذا خطاب بنقيض .

وقال الفراء والطبري : مفعول بمعنى فاعل أي ساحراً ، فهذه العجائب التي يأتي بها من أمر السحر ، وقالوا : مفعول بمعنى فاعل مشؤوم وميمون وإنما هو شائم ويامن .