إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا} (101)

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيات بَيّنَاتٍ } واضحاتِ الدِلالة على نبوته وصِحّةِ ما جاء به من عند الله وهي العَصا واليدُ والجَرادُ والقُمّل والضفادعُ والدمُ والطوفانُ والسّنونَ ونقصُ الثمرات ، وقيل : انفجارُ الماء من الحجر ونتْقُ الطورِ على بني إسرائيلَ وانفلاقُ البحرِ بدل الثلاث الأخيرة ، ويأباه أن هذه الثلاثَ لم تكن منزلةً إذ ذاك وأن الأولَين لا تعلقَ لهما بفرعون وإنما أوتيهما بنو إسرائيلَ ، وعن صفوانَ بن عسّال أن يهودياً سألَ النبي عليه الصلاة والسلام عنها فقال : « ألا تشركوا به شيئاً ولا تسرِقوا ولا تزنوا ، ولا تقتُلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسحرَوا ولا تأكُلوا الربا ، ولا تمشوا ببريءٍ إلى ذي سلطان ليقتُله ولا تقذِفوا مُحصنةً ولا تفِرّوا من الزحف ، وعليكم خاصّةَ اليهودِ أن لا تغدوا في السبت » فقبّل اليهوديُّ يدَه ورجلَه عليه السلام ، ولا يساعده أيضاً ما ذكر ولعل جوابَه عليه السلام بذلك لما أنه المُهم للسائل وقبولُه لما أنه كان في التوراة مسطوراً ، وقد علِم أنه ما علمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا من جهة الوحي .

{ فاسأل بني إسرائيل } وقرئ فسَلْ أي فقلنا له : سلْهم من فرعون ، وقل له : أرسلْ معيَ بني إسرائيلَ أو سلهم عن إيمانهم أو عن حال دينِهم أو سلْهم أن يعاضدوك ، ويؤيده قراءةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على صيغة الماضي ، وقيل : الخطابُ للنبي عليه الصلاة والسلام أي فاسألهم عن تلك الآياتِ لتزدادَ يقيناً وطُمَأْنينةً أو ليظهر صِدقُك { إِذْ جَاءهُمُ } متعلق بقلنا وبسأل على القراءة المذكورةِ وبآتينا أو بمضمر هم يخبروك أو اذكر على تقدير كونِ الخطابِ للرسول عليه الصلاة والسلام { فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ } الفاءُ فصيحةٌ أي فأظهرَ عند فرعون ما آتيناه من الآيات البيناتِ وبلّغه ما أُرسل به ، فقال له فرعونُ : { إني لأظنك يا موسى مَّسْحُورًا } سُحرْت فتخبّط عقلك .