التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

الزخرف : الذهب .

وإنما عدي { ترقى في السماء } بحرف ( في ) الظرفية للإشارة إلى أن الرقي تدرج في السماوات كمن يصعد في المرقاة والسلم .

ثم تفننوا في الاقتراح فسألوه إن رقى أن يرسل إليهم بكتاب ينزل من السماء يقرؤونه ، فيه شهادة بأنه بلغ السماء . قيل : قائل ذلك عبد الله بن أبي أمية ، قال : حتى تأتينا بكتاب معه أربعة من الملائكة يشهدون لك .

ولعلهم إنما أرادوا أن ينزل عليهم من السماء كتاباً كاملاً دفعة واحدة ، فيكونوا قد ألحدوا بتنجيم القرآن ، توهماً بأن تنجيمه لا يناسب كونه منزلاً من عند الله لأن التنجيم عندهم يقتضي التأمل والتصنع في تأليفه ، ولذلك يكثر في القرآن بيان حكمة تنجيمه .

واللام في قوله : { لرقيك } يجوز أن تكون لام التبيين . على أن « رقيك » مفعول { نؤمن } مثل قوله : { لن نؤمن لك } فيكون ادعاء الرقي منفياً عنه التصديق حتى ينزل عليهم كتاب . ويجوز أن تكون اللام لام العلة ومفعول { نؤمن } محذوفاً دل عليه قوله قبله : { لن نؤمن لك } . والتقدير : لن نصدقك لأجل رقيك هي تنزل علينا كتاباً . والمعنى : أنه لو رقى في السماء لكذبوا أعينهم حتى يرسل إليهم كتاباً يرونه نازلاً من السماء . وهذا تورك منهم وتهكم .

ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة وعناد أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة { سبحان ربي } التي تستعمل في التعجب كما تقدم في طالع هذه السورة ، ثم بالاستفهام الإنكاري ، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصراً إضافياً ، أي لستُ رباً متصرفاً أخلق ما يطلب مني ، فكيف آتي بالله والملائكة وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها .

وقرأ الجمهور { قل } بصيغة فعل الأمر . وقرأه ابن كثير ، وابن عامر { قال } بألف بعد القاف بصيغة الماضي على أنه حكاية لجواب الرسول صلى الله عليه وسلم عن قولهم : { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } على طريقة الالتفات .