فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً ( 93 ) }

{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } أي من ذهب قاله ابن عباس وبه قرأ ابن مسعود وأصله الزينة والمزخرف المزين وزخارف الماء طرائقه وقال الزجاج : هو الزينة فرجع إلى أصل معنى الزخرف وهو بعيد لأنه يصير المعنى أو يكون لك بيت من زينة .

{ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء } أي حتى تصعد في معارجها والرقي الصعود يقال : رقيت في السلم إذا صعدت من باب تعب وارتقيت مثله ويقال رقي بكسر القاف يرقى بالفتح رقيا على فعول والأصل رقوى وبالكسر في المحسوسات كما هنا وأما في المعاني فهو من باب سعى يقال رقى في الخير والشر ، يرقى في الماضي والمضارع ، وأما رقى المريض بمعنى عوذه فهو من باب رمى يقال رقاه يرقيه إذا عوذه وتلا عليه شيئا من القرآن .

{ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ } أي لأجل رقيك أو به فاللام للتعليل أو بمعنى الباء وهو مصدر نحو مضى يمضي مضيا وهوى يهوي هويا { حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا } يصدقك ويدل على نبوتك { نَّقْرَؤُهُ } جميعا أو يقرؤه كل واحد منا ، وقيل معناه كتابا من الله إلى كل واحد منا كما في قوله : { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة } .

قال مجاهد : يعنون كتابا من رب العالمين إلى فلان بن فلان تصبح عند كل رجل صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها فأمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتي بما يفيد التعجب من قولهم والتنزيه للرب سبحانه عن اقتراحاتهم القبيحة فقال :

{ قُلْ } وفي قراءة سبعية قال : { سُبْحَانَ رَبِّي } تعجب عما تقدم أو عن أن يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة { هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا } من البشر لا ملكا حتى أصعد السماء { رَّسُولاً } كسائر الرسل مأمورا من الله سبحانه بإبلاغكم ، فهل سمعتم أيها المقترحون لهذه الأمور أن بشرا قدر على شيء منها ، وإن أردتم أني أطلب ذلك من الله سبحانه حتى يظهرها على يدي فالرسول إذا أتى بمعجزة واحدة كفاه ذلك لأن بها يتبين صدقه ولا ضرورة إلى طلب الزيادة وأنا عبد مأمور ليس لي أن أتحكم على ربي بما ليس بضروري ولا دعت إليه حاجة ، ولو لزمتني الإجابة لكل متعنت لاقترح كل معاند في كل وقت اقتراحات وطلب لنفسه إظهار آيات فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وتنزه عن تعنتاتهم وتقدس عن اقتراحاتهم .

وقد أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الآيات والمعجزات ما يغني عن هذا كله مثل القرآن وانشقاق القمر ونبع الماء من بين أصابعه وما أشبهها وليست بدون ما اقترحوه ، بل أعظم منه ولكن لم يكن قصدهم طلب الدليل بل كانوا متعنتين