مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

وخامسها : قولهم : { أو يكون لك بيت من زخرف } قال مجاهد : كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيت في قراءة عبد الله : { أو يكون لك بيت من ذهب } قال الزجاج : الزخرف الزينة يدل عليه قوله تعالى : { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت } أي أخذت كمال زينتها ولا شيء في تحسين البيت وتزيينه كالذهب . وسادسها : قولهم : { أو ترقى في السماء } قال الفراء : يقال رقيت وأنا أرقى رقي ورقيا وأنشد :

أنت الذي كلفتني رقي الدرج*** على الكلال والمشيب والعرج

وقوله { في السماء } أي في معارج السماء فحذف المضاف ، يقال رقي السلم ورقي الدرجة ثم قالوا : { ولن نؤمن لرقيك } أي لن نؤمن لأجل رقيك : { حتى تنزل علينا كتابا من السماء } فيه تصديقك قال عبد الله بن أمية : { لن نؤمن } حتى تضع على السماء سلما ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك منشور معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أن الأمر كما تقول . ولما حكى الله تعالى عن الكفار اقتراح هذه المعجزات قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : { قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا } وفيه مباحث :

المبحث الأول : أنه تعالى حكى من قول الكفار قولهم : { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } إلى قوله : { قل سبحان ربي } وكل ذلك كلام القوم وإنا لا نجد بين تلك الكلمات وبين سائر آيات القرآن تفاوتا في النظم فصح بهذا صحة ما قاله الكفار لو نشاء لقلنا مثل هذا . والجواب : أن هذا القرآن قليل لا يظهر فيه التفاوت بين مراتب الفصاحة والبلاغة فزال هذا السؤال .

البحث الثاني : هذه الآيات من أدل الدلائل على أن المجيء والذهاب على الله محال لأن كلمة سبحان للتنزيه عما لا ينبغي ، وقوله { سبحان ربي } تنزيه لله تعالى عن شيء لا يليق به أو نسب إليه مما تقدم ذكره وليس فيما تقدم ذكره شيء لا يليق بالله إلا قولهم أو { تأتي بالله } فدل هذا على أن قوله : { سبحان ربي } تنزيه لله عن الإتيان والمجيء وذلك يدل على فساد قول المشبهة في أن الله تعالى يجيء ويذهب ، فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون المراد تنزيه الله تعالى عن أن يتحكم عليه المتحكمون في اقتراح الأشياء ؟ قلنا القوم لم يتحكموا على الله ، وإنما قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إن كنت نبيا صادقا فاطلب من الله أن يشرفك بهذه المعجزات فالقوم تحكموا على الرسول وما تحكموا على الله فلا يليق حمل قوله : { سبحان ربي } على هذا المعنى فوجب حمله على قولهم أو تأتي بالله .

البحث الثالث : تقرير هذا الجواب أن يقال : إما أن يكون مرادكم من هذا الاقتراح أنكم طلبتم الإتيان من عند نفسي بهذه الأشياء أو طلبتم مني أن أطلب من الله تعالى إظهارها على يدي لتدل على كوني رسولا حقا من عند الله . والأول باطل لأني بشر والبشر لا قدرة له على هذه الأشياء والثاني أيضا باطل لأني قد أتيتكم بمعجزة واحدة وهي القرآن والدلالة على كونها معجزة فطلب هذه المعجزات طلب لما لا حاجة إليه ولا ضرورة فكأن طلبها يجري مجرى التعنت والتحكم وأنا عبد مأمور ليس لي أن أتحكم على الله فسقط هذا السؤال فثبت أن قوله : { قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا } جواب كاف في هذا الباب ، وحاصل الكلام أنه سبحانه بين بقوله : { سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا } كونهم على الضلال في الإلهيات ، وفي النبوات . أما في الإلهيات فيدل على ضلالهم قوله { سبحان ربي } أي سبحانه عن أن يكون له إتيان ومجيء وذهاب وأما في النبوات فيدل على ضلالهم قوله : { هل كنت إلا بشرا رسولا } وتقريره ما ذكرناه .