فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ من زُخْرُفٍ } أي : من ذهب ، وبه قرأ ابن مسعود ، وأصله : الزينة ، والمزخرف : المزين ، وزخارف الماء : طرائقه ، وقال الزجاج : هو الزينة ، فرجع إلى الأصل معنى الزخرف ، وهو بعيد ؛ لأنه يصير المعنى : أو يكون لك بيت من زينة { أَوْ ترقى فِي السماء } أي : تصعد في معارجها يقال : رقيت في السلم : إذا صعدت وارتقيت .

مثله { وَلَن نؤْمِنَ لِرُقِيّكَ } أي : لأجل رقيك ، وهو مصدر نحو : مضى يمضي مضياً ، وهوى يهوي هوياً { حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَأهُ } أي : حتى تنزل علينا من السماء كتاباً يصدقك ويدل على نبوّتك نقرؤه جميعاً ، أو يقرؤه كل واحد منا ، وقيل : معناه : كتاباً من الله إلى كل واحد منا كما في قوله : { بَلْ يُرِيدُ كُل امرئ منْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً } [ المدثر : 52 ] فأمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بما يفيد التعجب من قولهم ، والتنزيه للربّ سبحانه عن اقتراحاتهم القبيحة فقال : { قُلْ سبحان رَبّي } أي : تنزيهاً لله عن أن يعجز عن شيء . وقرأ أهل مكة والشام ( قال سبحان ربي ) يعني النبي صلى الله عليه وسلم { هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا } من البشر لا ملكاً حتى أصعد السماء { رَسُولاً } مأموراً من الله سبحانه بإبلاغكم ، فهل سمعتم أيها المقترحون لهذه الأمور أن بشراً قدر على شيء منها ؟ وإن أردتم أني أطلب ذلك من الله سبحانه حتى يظهرها على يدي ، فالرسول إذا أتى بمعجزة واحدة كفاه ذلك ، لأن بها يتبين صدقه ، ولا ضرورة إلى طلب الزيادة ، وأنا عبد مأمور ليس لي أن أتحكم على ربي بما ليس بضروري ، ولا دعت إليه حاجة ، ولو لزمتني الإجابة لكل متعنت لاقترح كل معاند في كل وقت اقتراحات ، وطلب لنفسه إظهار آيات ، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً ، وتنزّه عن تعنتاتهم ، وتقدّس عن اقتراحاتهم .

/خ93