الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

ثم قال : { أو يكون لك بيت من زخرف } [ 93 ] .

أي من ذهب ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة {[41874]} . قال مجاهد : كنا لا ندري ما الزخرف حتى قرأنا [ ه {[41875]} ] في مصحف ابن مسعود " أو يكون لك بيت من ذهب " {[41876]} .

وأصل الزخرف في اللغة الزينة ومنه قوله : { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها } {[41877]} أي أخذت كمال زينتها ولا شيء أحسن في البيت من زينة الذهب {[41878]} .

ثم قال : { أو ترقى في السماء } [ 93 ] .

أي : تصعد {[41879]} في درج السماء . ولهذا الإضمار ، أتى ب " في " ولو لم يكن ثم إضمار لكان " إلى السماء " ففي : يدل على المحذوف . أي أو ترقي في سلم إلى السماء {[41880]} .

ثم قالوا : { ولن نؤمن لرقيك } [ 93 ] .

أي : لن نؤمن بك إذا صعدت إلى السماء { حتى /ننزل علينا كتابا نقرؤه } [ 93 ] .

منشورا : أي : كتابا من عند الله عز وجل يأمرنا فيه بإتباعك والإيمان بك . قال مجاهد : " كتابا نقرؤه " أي : من رب العالمين ، تصبح {[41881]} عند رأس كل رجل صحيفة يقرؤها {[41882]} .

ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام : قل لهم يا محمد : { سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا } [ 93 ] .

أي : قل لهم براءة لله {[41883]} وبملائكته أن يكون له سبيل إلى شيء من ذلك هل أنا إلا بشر أي : عبد من عبيده من بني آدم فكيف أقدر على ما تكلفوني . وقوله : " رسولا " أي : أرسلت لأبلغكم عن الله أمره ونهيه {[41884]} .

وكان هذا الكلام فيما روي : جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين ملأ [ من ] {[41885]} قريش اجتمعوا للمناظرة {[41886]} فتكلموا بما نصه الله عز وجل في هذه الآية عنهم . وذكر ابن عباس في ذلك : خبرا طويلا معناه : أنهم اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة وبعثوا {[41887]} في النبي عليه السلام فأتاهم طمعا أن يكونوا قد ظهر لهم اتباعه فعذلوه {[41888]} وأكثروا في اللوم والعتب {[41889]} [ وطولوا {[41890]} ] . قالوا {[41891]} له : إنك فرقت {[41892]} جمعنا ، وعيبت ديننا ، وسفهت أحلامنا ، و ما بقي قبيح إلا جئته فينا ، أو كما قالوا ، ثم قالوا [ له {[41893]} ] : إن كنت تحب مالا جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن أردت الشرف سودناك علينا . وإن أردت الملك ، ملكناك علينا … في كلام طويل عاتبوه به وعددوا عليه فيه ، ووعدوه ، واستنزلوه ، طمعا أن يميل إليهم {[41894]} . ثم قالوا له : فإن لم تفعل ما قلنا لك فاسأل ربك يبعث ملكا يصدقك بما تقول ، أو فاسأله {[41895]} أن يجعل لك جنة وكنوزا وقصورا {[41896]} من ذهب وفضة ويغنيك {[41897]} بها عما نراك تبتغي . فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه {[41898]} . فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من قولهم ، وقال : " إنما أنا بشر بعثت إليكم نذيرا لتؤمنوا بالله وكتابه " فقالوا له فاسقط السماء علينا ، كما زعمت ، إن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن {[41899]} لك إلا أن تفعل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك " ، ثم أطالوا الكلام معه ، وقالوا [ له {[41900]} ] إنما يعلمك ما جئت به رجل باليمامة يقال له الرحمن ، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا ، وادعوا أنهم يعبدون الملائكة ، وهن بنات الله – تعالى الله عن ذلك – فقال النبي صلى الله عليه وسلم وقام [ معه {[41901]} ] ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب {[41902]} ، وهو عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، فقال له : يا محمد أعرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله {[41903]} فلم تفعل ذلك ، ثم سألوك أن تعجل {[41904]} ما تخوفهم من العذاب فوالله لا أؤمن بك أبدا ، حتى تتخذ إلى السماء سلما ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة ، معك أربعة أملاك يشهدون لك إنك ما تقول حق وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك . وهذا معنى قوله : { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه/بأيديهم } {[41905]} الآية {[41906]} .

وروى أن عبد الله بن [ أبي {[41907]} ] أمية قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لن نؤمن لك حتى تنزل علي كتابا من السماء فيه من الله رب العالمين إلى ابن {[41908]} أمية ، إني قد أرسلت محمدا {[41909]} [ نبيا {[41910]} ] فآمن به وصدقه . والله لو أتيتني بهذا الكتاب ما آمنت بك ولا صدقتك ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا لما فاته مما كان طمع به من إيمان قومه حين دعوه .


[41874]:انظر: معاني الفراء 2/132 وغريب القرآن 261، وجامع البيان 15/163، والجامع 10/214، والدر 5/340.
[41875]:ساقط من ق.
[41876]:انظر: قوله في جامع البيان 15/163 والجامع 10/214، والدر 5/340.
[41877]:يونس: 24.
[41878]:انظر هذا المعنى: في معاني الزجاج 3/260 واللسان (زخرف).
[41879]:ق: يصعد.
[41880]:انظر: هذا القول في معاني الفراء 2/131، وجامع البيان 15/163.
[41881]:ط: "من الله".
[41882]:ساقط من النسختين.
[41883]:ق: "ءات" كذا. وط "أت".
[41884]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/164.
[41885]:ساقط من ق.
[41886]:ط: "لمناظرته".
[41887]:ط: ظهروا.
[41888]:ط: "فعذبوه".
[41889]:ط: "اللعنة".
[41890]:ساقط من ق.
[41891]:ط: وقالوا.
[41892]:ط: قد فرقت.
[41893]:ساقط من ق.
[41894]:ق: بهم.
[41895]:ق: "أو فسألوه".
[41896]:ق: "أو قصورا".
[41897]:ق: "يغيبك".
[41898]:ق: "تلتمسه".
[41899]:ق: "لا نؤمن".
[41900]:ساقط من ق.
[41901]:ساقط من ق.
[41902]:وهي عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم، شاعرة لها في ديوان الحماسة أبيات مختارة، وهي من عمات النبي صلى الله عليه وسلم، اختلف في إسلامها، وقال ابن سعد "أسلمت بمكة وهاجرت إلى المدينة" انظر: ترجمتها في الإصابة، باب النساء رقم 695، وطبقات ابن سعد 8/29، والأعلام 3/242.
[41903]:ط: "عز وجل".
[41904]:ط: "أن يجعل".
[41905]:الأنعام: 8.
[41906]:انظر هذه الرواية عن: ابن عباس في جامع البيان 15من 164 إلى 166، والجامع 10/212، وتفسير ابن كثير 3/104 والدر 5/337.
[41907]:ساقط من ق.
[41908]:ق: بني.
[41909]:ق: "محمدا صلى الله عليه وسلم".
[41910]:ساقط من ق.