التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (15)

{ ويذهب غيظ قلوبهم }

عَطْفُ فعل { ويذهب غيظ قلوبهم } على فعل { ويشف صدور قوم مؤمنين } ، يؤذن باختلاف المعطوف والمعطوف عليه ، ويكفي في الاختلاف بينهما اختلاف المفهومين والحالين ، فيكون ذهاب غيظ القلوب مساوياً لشفاء الصدور ، فيحصل تأكيد الجملة الأولى بالجملة الثانية ، مع بيان متعلّق الشفاء ويجوز أن يكون الاختلاف بِالمَاصْدق مع اختلاف المفهوم ، فيكون المراد بشفاء الصدور ما يحصل من المسرّة والانشراح بالنصر ، والمراد بذهاب الغيظ استراحتهم من تعب الغيظ ، وتحرّق الحقد . وضمير قلوبهم عائد إلى قوم مؤمنين فهم موعودون بالأمرين : شفاء صدورهم من عدوهم ، وذهاب غيظ قلوبهم على نكث الذين نكثوا عهدهم .

والغيظ : الغضب المشوب بإرادة الانتقام ، وتقدّم في قوله تعالى : { عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } في سورة آل عمران ( 119 ) .

{ ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم }

جملة ابتدائية مستأنفة ، لأنّه ابتداء كلام ليس ممّا يترتب على الأمر بالقتال ، بل لذكر من لم يُقتَلوا ، ولذلك جاء الفعل فيها مرفوعاً ، فدلّ هذا النظم على أنّها راجعة إلى قوم آخرين ، وهم المشركون الذين خانوا وغدروا ، ولم يُقتلوا ، بل أسلموا من قبل هذا الأمر أو بعده . وتوبة الله عليهم : هي قبول إسلامهم أو دخولهم فيه ، وفي هذا إعذار وإمهال لمن تأخّر . وإنّما لم تفصل الجملة : للإشارة إلى أنّ مضمونها من بقية أحوال المشركين ، فناسب انتظامها مع ما قبلها . فقد تاب الله على أبي سفيان ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسليم بن أبي عمرو ( ذكر هذا الثالث القرطبي ولم أقف على اسمه في الصحابة ) .

والتذييل بجُملة { والله عليم حكيم } لإفادة أنّ الله يعامل الناس بما يعلم من نياتهم ، وأنّه حكيم لا يأمر إلا بما فيه تحقيق الحكمة ، فوجب على الناس امتثال أوامره ، وأنّه يقبل توبة من تاب إليه تكثيراً للصلاح .