وخامسها : قوله : { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } كرْبَهَا ووَجْدهَا بمعونة قريش بني بكر عليهم .
فإن قيل : قوله { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } معناه : أنه يشفي من ألم الغيظ ، وهذا هو عين إذهاب الغيظ ، فكان قوله : { ويذهب غيظ قلوبهم } تكرارا .
فالجواب : أنه تعالى وعدهم بحصول هذا الفتح ، فكانوا في زحمة الانتظار ، كما قيل : الانتظار الموت الأحمر ، فشفى صدورهم من زحمة الانتظار ، فظهر الفرق بين قوله : { ويشف صدور قوم مؤمنين } وبين قوله : { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } فهذه المنافع الخمسة ترجع إلى تسكين الدَّواعي الناشئة من القوَّة الغضبيَّة ، وهي التَّشفي ، ودرك الثَّأر وإزالة الغيظ ، ولم يذكر فيها وجدان المال ، والفوز بالمطاعم والمشارب ؛ لأنَّ العرب جبلوا على الحميّة والأنفة ، فرغبهُم في هذه المعاني لكونها لائقة بطباعهم .
وقرأ الجمهور : " ويُذْهب " بضمِّ الياء وكسرِ الهاء مِنْ : " أذْهَبَ " ، و " غَيْظَ " مفعول به وقرئ{[17644]} " ويَذْهَب " بفتح الياء والهاء ، جعله مضارعاً ل " ذَهَبَ " ، و " غيظُ " فاعل به وقرأ زيد بن علي كذلك ، إلاَّ أنَّه رفع الفعل مستأنفاً ، ولم ينسقْه على المجزوم قبله ، كما قَرَءُوا " ويتوبُ " بالرفع عند الجمهور .
قوله : { وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ } قرأ الجمهور بالرَّفع ، وقرأ زيدُ{[17645]} بنُ علي ، والأعرج ، وابن أبي إسحاق ، وعمرو بن عبيد{[17646]} ، وعمرو بن فائد ، وعيسى الثقفي ، وأبو عمرو في رواية ويعقوب " ويتُوبَ " بالنَّصب ، فأمَّا قراءةُ الجمهور فإنَّهَا استئنافُ إخبارٍ ، وكذلك وقع ، فإنه قد أسلم ناسٌ كثيرون ، كأبي سفيان ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو وغيرهم .
قال الزجاج : وأبُو الفتح : وهذا أمرٌ موجودٌ ، سواءٌ قوتلوا ، أمْ لمْ يقاتلوا ، ولا وجه لإدخال التوبة في جواب الشرط الذي في : " قَاتِلُوهم " . يعنيان بالشَّرط : ما فُهِمَ من الجملة الأمرية . قالوا : ونظيره : { فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ } [ الشورى : 24 ] وتمَّ الكلامُ ههنا ، ثم استأنف فقال : { وَيَمْحُ الله الباطل } . [ الشورى : 24 ] . وأمَّا قراءةُ زيد ومنْ ذُكر معه فإنَّ التوبةَ تكونُ داخلة في جواب الأمر من طريقِ المعنى ، وفي توجيه ذلك غموضٌ ، فقال بعضهم : إنَّه لمَّا أمرهُمْ بالمقاتلة شقَّ ذلك على بعضهم ، فإذا أقدموا على المقاتلةِ صار ذلك العملُ جارياً مجرى التوبة من تلك الكراهة ، قاله الأصمُّ . فيصير المعنى : إن تقاتلوهم يُعذِّبهمُ الله ، ويتُب عليكم من تلك الكراهة لقتالهم ، وقال آخرون - في توجيه ذلك - : إنَّ حصول الظَّفَر وكثرة الأموال لذَّةٌ تطلبُ بطريقٍ حرام ، فلمَّا حصلتْ لهُم بطريقٍ حلالٍ ، كان ذلك داعياً لهم إلى التَّوبة ممَّا تقدم ، فصارت التوبةُ معلقةً على المقاتلة .
وقال ابنُ عطية{[17647]} - في توجيه ذلك - : " يتوجه عندي إذا ذهب إلى أنَّ التوبة يراد بها هنا قتل الكافرين والجاهد في سبيل الله ، هو توبةٌ لكم أيها المؤمنون ، وكمالٌ لإيمانكم ، فتدخلُ التسوية على هذا في شرطِ القتال " .
قال أبُو حيان{[17648]} " وهذا الذي قرروه من كون التَّوبة تدخلُ تحت جواب الأمر بالنسبة للمؤمنين الذين أمِرُوا بقتال الكُفَّارِ ، والذي يظهر أنَّ ذلك بالنسبة إلى الكُفَّار ، والمعنى : على من يشاء من الكفار ، لأنَّ قتال الكفارِ ، وغلبة المسلمين إياهم قد يكونُ سبباً لإسلام كثير ، ألا ترى إلى فتح مكَّة ، كيف أسلم لأجله ناسٌ كثيرون ، وحسنُ إسلامُ بعضهم جدّاً ، ك : ابن أبي سرح ، ومن تقدم ذكره ، وغيرهم " فيصير المعنى : إن تقاتلوهم يتب الله على من يشاء من الكُفَّار ، أي : يُسْلمُ من يشاء منهم ، والمرادُ بالتَّوبة هنا : الهداية إلى الإسلام كما ذكره جمهور المفسرين ، ثمَّ قال { والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } عليم بكل ما يفعل في ملكه " حَكِيمٌ " مصيب في أحكامه وأفعاله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.