غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (15)

1

الخامسة : { ويذهب غيظ قلوبهم } قيل : شفاء الصدر وإذهاب غيظ القلب كلاهما بمعنى فيكون تكراراً . والجواب أن القلب أخص من الصدر كقوله :

يا دار ميَّة بالعلياء فالسند *** . . .

أو شفاء الصدر إشارة إلى الوعد بالفتح ، ولا ريب أن الانتظار شاق وإن كان مع الثقة بالموعود فإذهاب غيظ القلب إشارة إلى الفتح وقد حصل الله لهم هذه المواعيد كلها وكان ذلك دليلاً على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإعجازه . ثم قال { ويتوب الله على من يشاء } وهو ابتداء كلام للإخبار بأن بعض أهل مكة يتوب عن كفره وقد وقع ، فقد أسلم ناس منهم وحسن إسلامهم . وقرئ { ويتوب } بالنصب بإضمار «أن » ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى كقوله { فأصدق وأكن }

[ المنافقون : 10 ] أما أن التوبة كيف تقع جزاء للمقاتلة فذلك من قبل الكفرة واضح فإن القتال قد يصير سبباً لتوبة بعضهم عن الكفر ، وأما من جهة المؤمنين فلعل القتال كان شاقاً على بعضهم فإذا أقدم عليه صار ذلك العمل جارياً مجرى التوبة عن تلك الكراهة . وأيضاً أن حصول النصر والظفر إنعام عظيم والعبد إذا شاهد توالي النعم لم يبعد أن يصير ذلك داعياً له إلى أن يتوب عن جميع الذنوب وقد تصير كثرة المال والجاه سبباً لتحصيل اللذات بالطريق الحلال فينتهي عن الحرام . وأيضاً الإنسان حريص على ما منع فإذا انفتحت عليه أبواب الخيرات الدنيوية فربما يصير ذلك سبباً لانقباضه عن الدنيا وإعراضه عنها وهذا هو أحد الوجوه التي ذكروها في تفسير قوله تعالى حكاية عن سليمان { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي }

[ ص : 35 ] يعني بعد حصول هذا الملك لا ينبغي للنفس الاشتغال بالدنيا { والله عليم } بكل ما يجري في ملكه وملكوته { حكيم } مصيب في أفعاله وأقواله وأحكامه وتدابيره . عن ابن عباس أن قوله { ألا تقاتلون } الآية . ترغيب في فتح مكة لأن النتائج المذكورة مشاكلة لتلك الأحوال . واستبعده الحسن لأن هذه السورة نزلت بعد فتح مكة بسنة .

/خ16