فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (15)

ثم زاد في تأكيد الأمر بالقتال فقال : { قاتلوهم } ورتب على هذا الأمر فوائد :

الأولى : تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل والأسر .

والثانية : إخزاؤهم ، قيل : بالأسر . وقيل : بما نزل بهم من الذلّ والهوان .

والثالثة : نصر المسلمين عليهم وغلبتهم لهم .

والرابعة : أن الله يشفي بالقتال صدور قوم مؤمنين ممن لم يشهد القتال ولا حضره .

والخامسة : أنه سبحانه يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين الذي نالهم بسبب ما وقع من الكفار من الأمور الجالبة للغيظ وحرج الصدر .

فإن قيل : شفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب كلاهما بمعنى فيكون تكراراً . قيل في الجواب : إن القلب أخص من الصدر . وقيل : إن شفاء الصدر إشارة إلى الوعد بالفتح ، ولا ريب أن الانتظار لنجاز الوعد مع الثقة به فيهما شفاء للصدر ، وأن إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح ، وقد وقعت للمؤمنين ولله الحمد هذه الأمور كلها ، ثم قال : { وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَاء } وهو ابتداء كلام يتضمن الإخبار بما سيكون ، وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره ، كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح ، فإنهم أسلموا وحسن إسلامهم ، وهذا على قراءة الرفع في { يتوب } ، وهي قراءة الجمهور . وقرئ بنصب { يتوب } بإضمار أن ، ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى . قرأ بذلك ابن أبي إسحاق ، وعيسى الثقفي ، والأعرج . فإن قيل : كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة ؟ وأجيب بأن القتال قد يكون سبباً لها إذا كانت من جهة الكفار ، وأما إذا كانت من جهة المسلمين فوجهه : أن النصر والظفر من جهة الله يكون سبباً لخلوص النية والتوبة عن الذنوب .

/خ16