المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

وقرأ الجمهور «إلا صيحةً » بالنصب على خبر «كان » ، أي ما كان عذابهم إلا صحية واحدة ، وقرأ أبو جعفر ومعاذ بن الحارث{[2]} «إلا صيحةٌ » بالرفع ، وضعفها أبو حاتم{[3]} ، والوجه فيها أنها ليست «كان » التي تطلب الاسم والخبر ، وإنما التقدير ما وقعت أو حدثت إلا صحية واحدة ، وقرأ ابن مسعود وعبد الرحمن بن الأسود{[4]} إلا زقية «وهي الصيحة » من الديك ونحوه من الطير{[5]} ، و { خامدون } ساكنون موتى لاطون بالأرض{[6]} شبهوا بالرماد الذي خمدت ناره وطفئت .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
[6]:- رواه الترمذي وصححه، والإمام أحمد ولفظه: (الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)، وهذا الحديث يرد على القولين معا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

والصيحة : المرة من الصياح ، بوزن فعلَة ، فوصفها بواحدة تأكيد لمعنى الوحدة لئلا يتوهم أن المراد الجنس المفرد من بين الأجناس ، و { صَيْحَةً } منصوب على أنه خبر { كَانَتْ } بعد الاستثناء المفرّغ ، ولحاق تاء التأنيث بالفعل مع نصب { صَيْحَةً } مشير إلى أن المستثنى منه المحذوف العقوبة أو الصيحة التي دلت عليها { صيحة واحِدةً ، } أي لم تكن العقوبة أو الصيحة إلا صيحةً من صفتها أنها واحدة إلى آخره . وقرأ أبو جعفر برفع { صَيْحَةٌ } على أن « كان » تامة ، أي ما وقعت إلا صيحة واحدة .

ومجيء « إذا » الفجائية في الجملة المفرعة على { إن كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً واحدة } لإِفادة سرعة الخمود إليهم بتلك الصيحة . وهذه الصيحة صاعقة كما قال تعالى حكاية عن ثمود : { فأخذتهم الصيحة } [ الحجر : 73 ] .

والخمود : انطفاء النار ، استعير للموت بعد الحياة المليئة بالقوة والطغيان ، ليتضمن الكلام تشبيه حال حياتهم بشبوب النار وحال موتهم بخمود النار فحصل لذلك استعارتان إحداهما صريحة مصرحة ، وأخرى ضمنية مكنية ورمزها الأُولى ، وهما الاستعارتان اللتان تضمنهما قول لبيد :

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه *** يَحور رماداً بعد إذ هو ساطع

وتقدم قوله تعالى : { حتى جعلناهم حصيداً خامدين } في سورة الأنبياء } ( 15 ) ، فكان هذا الإِيجاز في الآية بديعاً لحصول معنى بيت لبيد في ثلاث كلمات . وهذا يشير إلى حدث عظيم حدث بأهل أنطاكية عقب دعوة المرسلين وهو كرامة لشهداءِ أتباع عيسى عليه السلام ، فإن كانت الصيحة صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود كان الذين خمدوا بها جميعَ أهل القرية فلعلهم كانوا كفاراً كلهم بعد موت الرجل الذي وعظهم وبعد مغادرة الرسل القرية . ولكن مثل هذا الحادث لم يذكر التاريخ حدوثه في أنطاكية ، فيجوز أن يهمل التاريخ بعض الحوادث وخاصة في أزمنة الاضطراب والفتنة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إن كانت إلا صيحة واحدة} من جبريل عليه السلام ليس لها مثنوية، {فإذا هم خامدون} موتى مثل النار إذا طفئت لا يسمع لها صوت.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله: {إنْ كانَتْ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فإذَا هُمْ خامِدُونَ} يقول: ما كانت هَلَكتهم إلا صيحة واحدة أنزلها الله من السماء عليهم...

وقوله: {فإذَا هُمْ خامِدُونَ} يقول: فإذا هم هالكون.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{واحدة} تأكيد لكون الأمر هينا عند الله.

{فإذا هم خامدون} فيه إشارة إلى سرعة الهلاك فإن خمودهم كان مع الصيحة وفي وقتها لم يتأخر، ووصفهم بالخمود في غاية الحسن؛ وذلك لأن الحي فيه الحرارة الغريزية، وكلما كانت الحرارة أوفر كانت القوة الغضبية والشهوانية أتم وهم كانوا كذلك، أما الغضب فإنهم قتلوا مؤمنا كان ينصحهم، وأما الشهوة؛ فلأنهم احتملوا العذاب الدائم بسبب استيفاء اللذات الحالية؛ فإذن كانوا كالنار الموقدة؛ ولأنهم كانوا جبارين مستكبرين كالنار ومن خلق منها فقال: {فإذا هم خامدون}...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

لم يذكر لنا الكتاب الكريم كيف كانت الصيحة، ولا كيف نزل بهم العذاب، وتفصيل ذلك لا يعنينا، فالعبرة تحصل بدون بيانه، إذ المراد انتقام الله وعذابه لمن كذب أولياءه، على أي نحو كان ذلك العذاب...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

لا يطيل هنا في وصف مصرع القوم، تهويناً لشأنهم، وتصغيراً لقدرهم.. ويسدل الستار على مشهدهم البائس المهين الذليل!

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} أي: ما كانت إلا صيحة واحدة {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس: 29] كلمة {خَامِدُونَ} [يس: 29] تدل على أنهم كانوا متحمسين للكفر... في أُوَار وغضب واشتعال على رسل الله أولاً، ثم على الرجل المتطوع ثانياً، فهُمْ في ذلك أشبه بالنار المتأججة، فأخمدها الله.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لم تكن سوى صيحة لم تتجاوز اللحظة الخاطفة في وقوعها، صيحة أسكتت جميع الصيحات، هزّة أوقفت كلّ شيء عن التحرّك، وهكذا هي قدرة الله سبحانه وتعالى، وهكذا هو مصير قوم ضالّين لا نفع فيهم...