اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

قوله : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً } العامة على النصب على أنَّ «كان » ناقصة واسمها ضمير الأَخْذ لدلالة السِّياق عليها و «صَيْحَةً » خبرها . وقرأ أبو جعفر وشيبَةُ ومُعاذ القَارئ{[45998]} برفعها{[45999]} على أنها التامة أي إن وَقَعَ وحَدَثَ وكان ينبغي أن لا يلحق تاء التأنيث للفصل

«بإلا » بل الواجب في غير ندور واضطرار حذف التاء{[46000]} نحو : مَا قَامَ إلاَّ هِنْدٌ{[46001]} . وقد شذ الحسن وجماعة فقرأوا : { لاَ ترى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ }{[46002]} [ الأحقاف : 25 ] كما سيأتي إن شاء الله تعالى وقوله :

4175- . . . . . . . . . . . . . . . . . . وَمَا بَقِيَتْ إلاَّ الضُّلُوعُ الجَرَاشِعُ{[46003]}

وقوله :

4176- مَا بَرِئَت مِنْ رِيبَة وَذَمّ . . . فِي حَرْبِنَا إلاَّ بَنَاتُ العَمّ{[46004]}

قال الزمخشري : أصله إن كان{[46005]} شيء إلا صيحة فكان الأصل أن يذكر ، لكنه تعالى أنّث لما بعده من المفسر وهو الصيحة

وقوله : «وَاحِدَةٌ » تأكيد لكون الأمر هيّناً{[46006]} عنده وقوله : { فَإِذَا هُمْ خَامِدُون } إشارة إلى سرعة الهلاك فإن خمودهم كان من الصيحة في وقتها لم يتأخر ووصفهم بالخمود في غاية الحسن

لأن الحي فيه الحرارة الغريزية وكلما كانت الحرارة أوفر كانت القوة الغضبية والشهوانية{[46007]} أتم ، وهم كانوا كذلك أما الغضب فإنهم قتلوا مؤمناً كان ينصحهم ، وأما الشهوة فلأنهم احتملوا العذاب الدائم بسبب استيفاء اللذات الخالية فإذن كانوا كالنار الموقَدَة لأنهم كانوا جبارين ومستكبرين كالنار ومن خلق منها{[46008]} . «فَإذَا هُمْ خَامِدُونَ » :ميتِّون . قال المفسرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هُمْ خامدن ميتون .


[45998]:هو معاذ بن الحارث ويقال أبو حليمة الأنصاري المدني المعروف بالقارىء روى عن نافع وابن سيرين وحدث عن نافع مولى ابن عمر توفي سنة 63 هـ. انظر: غاية النهاية 2/301 و 302.
[45999]:ذكرها في المحتسب 2/206 ومعاني الفراء 2/375 ومختصر ابن خالويه 125 وهي من القراءات العشر المتواترة انظر النشر 2/353 والإتحاف 364.
[46000]:حيث إن من وجوب تأنيث الفعل أن لا يفصل بينه وبين الفاعل أو نائبه بفاصل.
[46001]:المحتسب 2/207.
[46002]:وهي قراءة مالك بن دينار وأبي رجاء والجحدري وغيرهم. وهي من الشواذ من الأربعة فوق العشرة وستأتي بالتفصيل. انظر: البحر 7/332 والإتحاف 392.
[46003]:عجز بيت من الطويل لذي الرمة صدره: طوى النحز والأجواز ما في غروضها. والنحز: ضرب الأعقاب والاستحثاث في السير. والأجواز: الأمحال. والغروض حزام الرمل. والجراشع المنتفخ الجنبين. وشاهده: فصل ما بين الفعل والفاء ب "إلا" المانعة من التأنيث. وإذا كان هذا لم تجىء التاء إلا في الشعر كما رأينا في "بقيت".
[46004]:رجز مجهول القائل يصف قومه بالمنعة وحماية الأعراض. والشاهد: تأنيث الفعل مع طول الفصل بإلا. والأكثر التذكير وضرورة الشعر تبيح ذلك. وانظر: البحر 7/332 والتصريح 1/279 والهمع 2/171 والأشموني 2/52 والدر المصون 4/507.
[46005]:الكشاف 3/320.
[46006]:قاله الفخر الرازي في تفسيره الكبير 26/62.
[46007]:قاله الفخر الرازي في تفسيره الكبير 26/62.
[46008]:انظر: الفخر الرازي المرجع السابق.