فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

{ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحدة } أي إن كانت العقوبة ، أو النقمة ، أو الأخذة إلاّ صيحة واحدة صاح بها جبريل فأهلكهم . قال المفسرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ، ثم صاح بهم صيحة ، فإذا هم ميتون لا يسمع لهم حسّ كالنار إذا طفئت ، وهو معنى قوله : { فَإِذَا هُمْ خامدون } أي قوم خامدون ميتون ، شبههم بالنار إذا طفئت ؛ لأن الحياة كالنار الساطعة ، والموت كخمودها . قرأ الجمهور { صيحة } بالنصب على أن كان ناقصة ، واسمها ضمير يعود إلى ما يفهم من السياق كما قدّمنا . وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، ومعاذ القارئ برفعها على أن كان تامة : أي وقع ، وحدث ، وأنكر هذه القراءة أبو حاتم ، وكثير من النحويين بسبب التأنيث في قوله : { إِن كَانَتْ } قال أبو حاتم : فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال : " إن كان إلاّ صيحة " ، وقدّر الزجاج هذه القراءة بقوله : إن كانت عليهم صيحة إلاّ صيحة واحدة ، وقدّرها غيره : ما وقعت عليهم إلاّ صيحة واحدة . وقرأ عبد الله بن مسعود " إن كانت إلاّ زقية واحدة " ، والزقية : الصيحة ، قال النحاس : وهذا مخالف للمصحف ، وأيضاً . فإن اللغة المعروفة : زقا يزقو إذا صاح . ومنه المثل ( أثقل من الزواقي ) ، فكان يجب على هذا أن تكون زقوة ، ويجاب عنه بما ذكره الجوهري قال : الزقو والزقي مصدر ، وقد زقا الصدا يزقو . زقا : أي صاح : وكل صائح زاق ، والزقية : الصيحة .

/خ40