الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ} (29)

" إن كانت إلا صيحة واحدة " : قراءة العامة " واحدة " بالنصب على تقدير ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج : " صيحة " بالرفع هنا ، وفي قوله : " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع " :جعلوا الكون بمعنى الوقوع والحدوث ، فكأنه قال : ما وقعت عليهم إلا صيحة واحدة . وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث فهو ضعيف ، كما تكون ما قامت إلا هند ضعيفا ، من حيث كان المعنى ما قام أحد إلا هند . قال أبو حاتم : فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال : إن كان إلا صيحة . قال النحاس : لا يمتنع شيء من هذا ، يقال : ما جاءتني إلا جاريتك ، بمعنى ما جاءتني امرأة أو جارية إلا جاريتك . والتقدير في القراءة بالرفع ما قاله أبو إسحاق ، قال : المعنى إن كانت عليهم صيحة إلا صيحة واحدة ، وقدره غيره : ما وقع عليهم إلا صيحة واحدة . وكان بمعنى وقع كثير في كلام العرب . وقرأ عبد الرحمن بن الأسود - ويقال إنه في حرف عبد الله كذلك - " إن كانت إلا زقية واحدة " . وهذا مخالف للمصحف . وأيضا فإن اللغة المعروفة زقا يزقو إذا صاح ، ومنه المثل : أثقل من الزواقي ، فكان يجب على هذا أن يكون زقوة ، ذكره النحاس .

قلت : وقال الجوهري : الزقو والزقي مصدر ، وقد زقا الصدى يزقو زقاء أي : صاح ، وكل صائح زاق ، والزقية الصيحة .

قلت : وعلى هذا يقال : زقوة وزقية لغتان ، فالقراءة صحيحة لا اعتراض عليها والله أعلم . " فإذا هم خامدون " أي :ميتون هامدون ؛ تشبيها بالرماد الخامد . وقال قتادة : هلكى ، والمعنى واحد .