المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (89)

وقد تقدم القول في سورة البقرة في نظير قوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } وقوله تعالى : { بما عقدتم } معناه شددتم ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «عقّدتم » مشددة القاف ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي «عقَدتم » خفيفة القاف ، وقرأ ابن عامر «عاقدتم » بألف على وزن فاعلتم ، قال أبو علي من شدد القاف احتمل أمرين أحدهما أن يكون لتكثير الفعل لأنه خاطب جماعة والآخر يكون عقد مثل ضعف لا يراد به التكثير كما أن ضاعف لا يراد به فعل من اثنين . ومن قرأ «عقَدتم » فخفف القاف جاز أن يراد به الكثير من الفعل والقليل ، وعقد اليمين كعقد الحبل والعهد ، وقال الحطيئة :

قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الَكَربا{[4674]}

ومن قرأ «عاقدتم » فيحتمل ضربين : أحدهما أن يكون كطارقت النعل وعاقبت اللص ، والآخر أن يراد به فاعلت الذي يقتضي فاعلين كأن المعنى يؤاخذكم بما عاقدتم عليه الإيمان ، ويعدى ( عاقد ) ب «على » لما هو في معنى عاهد ، قال الله تعالى : { ومن أوفى بما عاهد عليه الله }{[4675]} وهذا كما عديت { ناديتم إلى الصلاة }{[4676]} ب «إلى » وبابها أن تقول ناديت زيداً و { ناديناه من جانب الطور الأيمن }{[4677]} لكن لما كانت بمعنى دعوت إلى كذا كقوله تعالى { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله }{[4678]} عديت نادى ب «إلى » ، ثم يتسع في قوله تعالى «عاقدتم » عليه الإيمان فيحذف الجار ، ويصل الفعل إلى المفعول ، ثم يحذف من الصلة الضمير الذي يعود على الموصول ، وتقديره يؤاخذكم بما عقدتموه الأيمان . كما حذف من قوله تعالى { فاصدع بما تؤمر }{[4679]} .

و{ الأيمان } جمع يمين وهي الَأِلَّية{[4680]} ، سميت يميناً لما كان عرفهم أن يصفقوا بأيمان بعضهم على بعض عند الألية . وقوله تعالى : { فكفارته } معناه فالشيء الساتر على إثم الحنث في اليمين إطعام ، والضمير على الصناعة النحوية عائد على [ ما ]{[4681]} ، ويحتمل { ما } في هذا الموضع أن تكون بمعنى الذي ، وتحتمل أن تكون مصدرية وهو عائد مع المعنى الذي ذكرناه على إثم الحنث ، ولم يجر له ذكر صحيح لكن المعنى يقتضيه و { إطعام عشرة مساكين } معناه إشباعهم مرة ، قال الحسن بن أبي الحسن إن جمعهم أشبعهم إشباعة واحدة ، وإن أعطاهم أعطاهم مكوكاً مكوكاً{[4682]} ، وحكم هؤلاء أن لا يتكرر واحد منهم في كفارة يمين واحدة ، وسواء أطعموا أفراداً أو جماعة في حين واحد ، ولا يجزىء في شيء من ذلك ذمي وإن أطعم صبي فيعطى حظ كبير ، ولا يجوز أن يطعم عبد ولا ذو رحم تلزم نفقته ، فإن كان ممن لا تلزم المكفر نفقته فقد قال مالك : لا يعجبني أن يطعمه ، ولكن إن فعل وكان فقيراً اجزأه ، ولا يجوز أن يطعم منها غني ، وإن أطعم جهلاً بغناه ففي المدونة وغير كتاب أنه لا يجزىء وفي الأسدية أنه يجزىء واختلف الناس في معنى قوله { من أوسط } فرأى مالك رحمه الله وجماعة معه هذا التوسط في القدر ، ورأى ذلك جماعة في الصنف ، والوجه أن يعم بلفظ الوسط القدر والصنف . فرأى مالك أن يطعم المسكين بالمدينة مداً بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك رطل وثلث من دقيق ، وهذا لضيق المعيشة بالمدينة ، ورأى في غيرها أن يتوسع ولذلك استحسن الغداء والعشاء ، وأفتى ابن وهب{[4683]} بمصر بمد ونصف وأشهب بمد وثلث ، قال ابن المواز : ومد وثلث وسط من عيش أهل الأمصار في الغداء والعشاء ، قال ابن حبيب{[4684]} : ولا يجزىء الخبز َقفاراً{[4685]} ولكن بِإدام{[4686]} زيت أو لبن أو لحم أو نحوه ، وفي شرح ابن مزين أن الخبز القفار يجزىء ، ورأى من يقول إن التوسط إنما هو في الصنف أن يكون الرجل المكفر يتجنب أدنى ما يأكل الناس في البلد وينحط عن الأعلى ويكفر بالوسط من ذلك ، ومذهب المدونة أن يراعي المكِّفر عيَش البلد ، وفي كتاب ابن المواز أن المراعى عيشه في أهله الخاص به{[4687]} .

وكأن الآية على التأويل الأول معناها من أوسط ما تطعمون أيها الناس أهليكم في الجملة من مدينة أو صقع ، وعلى التأويل الثاني معناها من أوسط ما يطعم شخص أهله . وقرأ الجمهور «أهليكم » وهو جمع أهل على السلامة وقرأ جعفر بن محمد «من أوسط ما تطعمون أهاليكم » ، وهذا جمع مكسر قال أبو الفتح «أهال » بمنزلة ليال ، كأن واحدها أهلاة وليلاة ، والعرب تقول أهل وأهلة ومنه قول الشاعر :

وأهلة ود قد تبريت ودهم *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[4688]}

ويقال ليلة وليلاة وأنشد ابن الأعرابي :

في كل ما يوم وكل ليلاه *** حتى يقول من رآه إذ رآه

يا ويحه من َجَمل ما أشقاه{[4689]}

وقرأ الجمهور «أو كِسوتهم » بكسر الكاف يراد به كسوة الثياب وقرأ سعيد بن المسيب وأبو عبد الرحمن وإبراهيم النخعي «أو كُسوتهم » بضم الكاف ، وقرأ سعيد بن جبير ومحمد بن السميفع اليماني «أو كأسوتهم » من الأسوة قال أبو الفتح كأنه قال أو بما يكفي مثلهم فهو على حذف المضاف بتقدير أو ككفاية أسوتهم ، قال وإن شئت جعلت الأسوة هي الكفاية فلم تحتج إلى حذف مضاف .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، والقراءة مخالفة لخط المصحف ، ومعناها على خلاف ما تأول أهل العلم من أن الحانث في اليمين بالله مخير في الإطعام أو الكسوة أو العتق ، والعلماء على أن العتق أفضل ذلك ثم الكسوة الإطعام ، وبدأ الله تعالى عباده بالأيسر فالأيسر ، ورب ُمَّدة ومسغبة يكون فيها الإطعام أفضل من العتق ، لكن ذلك شاذ وغير معهود والحكم للأغلب ، واختلف العلماء في حد الكسوة فراعى على قوم نفس اللفظ ، فإذا كان الحانث المكفر كاسياً والمسكين مكسواً حصل الإجزاء ، وهذه رتبة تنحصل بثوب واحد أي ثوب كان بعد إجماع الناس أن القلنسوة بانفرادها لا تجزىء في كفارة اليمين ، قال مجاهد : يجزىء في كفارة اليمين ثوب واحد فما زاد ، وقال الحسن : الكسوة ثوب لكل مسكين وقاله طاوس ، وقال منصور : الكسوة ثوب قميص أو رداء أو إزار قاله أبو جعفر وعطاء وابن عباس ، وقال قد تجزىء العباءة في الكفارة وكذلك الشملة ، وقال الحسن بن أبي الحسن : تجزىء العمامة في كفارة اليمين ، وقال مجاهد : يجزىء كل شيء إلا التبان ، وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال : نعم الثوب التبان{[4690]} ، أسنده الطبري وقال الحكم بن عتبة : تجزىء عمامة يلف بها رأسه ، وراعى قوم معهود الزي والكسوة المتعارفة ، فقال بعضهم لا يجزىء الثوب الواحد إلا إذا كان جامعاً مما قد يتزيى به كالكساء والملحفة ، قال إبراهيم النخعي : يجزىء الثوب الجامع وليس القميص والدرع والخمار ثوباً جامعاً .

قال القاضي أبو محمد : قد يكون القميص الكامل جامعاً وزياً ، وقال بعضهم : الكسوة في الكفارة إزار وقميص ورداء قاله ابن عمر رضي الله عنه ، وروي عن الحسن وابن سيرين وأبي موسى الأشعري أن الكسوة في الكفارة ثوبان لكل مسكين ، وعلق مالك رحمه الله الحكم بما يجزىء في الصلاة ، وهذا أحسن نظر ، فقال : يجزىء في الرجل ثوب واحد ، وقال ابن حبيب يكسى قميصاً أو إزاراً يبلغ أن يلتف به مشتملاً ، وكلام ابن حبيب تفسير ، قال مالك : تكسى المراة درعاً وخماراً ، وقال ابن القاسم في العتبية : وإن كسا صغير الإناث فدرع وخمار كالكبيرة ، والكفارة واحدة لا ينقص منها لصغير ، قال عنه ابن المواز ولا تعجبني كسوة المراضع بحال ، فأما من أمر بالصلاة فيكسوه قيمصاً ويجزئه ، قال ابن المواز من رأيه : بل كسوة رجل كبير وإلا لم يجزىء ، قال أشهب ، تعطى الأنثى إذا لم تبلغ الصلاة ثوب رجل ويجزىء ، وقاله ابن الماجشون ، وقوله { أو تحرير رقبة } التحرير الإخراج من الرق ، ويستعمل في الأسر والمشقات وتعب الدنيا ونحوها ، فمنه قوله تعالى عن أم مريم :{ إني نذرت لك ما في بطني محرراً }{[4691]} أي من شغوب{[4692]} الدنيا ، ومن ذلك قول الفرزدق :

ابني غدانة إنني حررتكم *** فوهبتكم لعطية بن جعال{[4693]}

أي حررتكم من الهجاء ، وخص الرقبة من الإنسان إذ هو العضو الذي فيه يكون الغل والتوثق غالباً من الحيوان ، فهو موضع الملك فأضيف التحرير إليها ، واختلف الناس في صفة المعتق في الكفارة كيف ينبغي أن يكون ، فقالت جماعة من العلماء : هذه رقبة مطلقة لم تقيد بأيمان فيجوز في كفارة اليمين عتق الكافر ، وهذا مذهب الطبري وجماعة من العلماء ، وقالت فرقة كل مطلق في القرآن من هذا فهو راجع إلى المقيد في عتق الرقبة في القتل الخطأ فلا يجزي في شيء من الكفارات كافر ، وهذا قول مالك رحمه الله وجماعة معه{[4694]} ، وقال مالك رحمه الله : لا يجزي أعمى ولا أبرص ولا مجنون ، وقال ابن شهاب وجماعة ، وفي الأعور قولان في المذهب ، وكذلك في الأصم وفي الخصي ، وفي العلماء من رأى أن جميع هذا يجزىء وفرق النخعي فجوز عتق من يعمل أشغاله وخدمته ومنع عتق من لا يعمل كالأعمى والمقعد والأشل اليدين ، قال مالك رحمه الله : والأعجمي عندي يجزىء من قصر النفقة وغيره أحب إليّ ، قال سحنون يريد بعد أن يجيب إلى الإسلام ، فإن كان الأعجمي لم يجب إلا أنه ممن يجبر على الإسلام كالكبير من المجوس والصغير من الحربيين الكتابيين فقال ابن القاسم يجزىء عتقه وإن لم يسلم وقال أشهب لا يجزىء حتى يسلم ، ولا يجزىء عند مالك من فيه شعبة حرية كالمدبر وأم الولد ونحوه .

وقوله تعالى { فمن لم يجد } معناه لم يجد في ملكه أحد هذه الثلاثة من الإطعام او الكسوة أو عتق الرقبة واختلف العلماء في حد هذا العادم الَوْجد حتى يصح له الصيام ، فقال الشافعي رحمه الله وجماعة من العلماء إذا كان المكفر لا يملك إلا قوته وقوت عياله يومه وليلته فله أن يصوم ، فإن كان عنده زائداً على ذلك ما يطعم عشرة مساكين لزمه الإطعام ، وهذا أيضاً هو مذهب مالك وأصحابه قال مالك في المدونة : لا يجزئه صيام وهو يقدر على أحد الوجوه الثلاثة ، وروي عن ابن القاسم أن من تفضل له نفقة يوم فإنه لا يصوم ، وقال ابن المواز : ولا يصوم الحانث حتى لا يجد إلا قوته أو يكون في البلد لا يعطف عليه فيه ، وقال ابن القاسم في كتاب ابن مزين : إن كان لحانث فضل عن قوت يومه أطعم إلا أن يخاف الجوع أو يكون في بلد لا يعطف عليه فيه ، وقال سعيد بن جبير : إن لم يكن له إلا ثلاثة دراهم أطعم وقال قتادة : إذا لم يكن له إلا قدر ما يكفر به صام ، وقال الحسن بن أبي الحسن : إذا كان له درهمان أطعم ، قال الطبري : وقال آخرون : جائز لمن لم تكن عنده مائتا درهم أن يصوم وهو ممن لا يجد وقال آخرون : جائز لمن لم يكن عنده فضل على رأس ماله الذي يتصرف به في معاشه أن يصوم ، وقرأ أبي بن كعب فصيام ثلاثة أيام متتابعات ، وكذلك عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي ، وقال بذلك جماعة من العلماء منهم مجاهد وغيره ، وقال مالك رحمه الله وغيره : إن تابع فحسن وإن فرق أجزأ ، وقوله تعالى : { ذلك كفارة أيمانكم } إشارة إلى ما ذكر من الأشياء الثلاثة وقوله { إذا حلفتم } معناه ثم أردتم الحنث أو وقعتم فيه وباقي الآية وصاة وتوقيف على النعمة والإيمان .


[4674]:-قال الحطيئة هذا البيت يمدح قوما بأنهم عقدوا لجارهم عهدا فوفوا به ولم يخفروه، والعناج: خيط أو سير يُشد في أسفل الدلو ثم يشد في عروتها، والكرب: الحبل الذي يشد على الدلو بعد الحبل الأول (واسمه: المتين) فإذا انقطع المتين بقي الكرب. وقيل في المعاني غير هذا، وهذه أمثال ضربها الحطيئة لإيفائهم بالعهد. على أنه مما يؤيد ما ذهبنا إليه أن العرب تقول: دلو مكربة: ذات كرب. (اللسان). وقد سبق شرح هذا البيت في أول سورة المائدة عند تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.
[4675]:- من الآية (10) من سورة (الفتح).
[4676]:- من الآية (58) من سورة (المائدة).
[4677]:- من الآية (52) من سورة (مريم).
[4678]:- من الآية (33) من سورة (فصلت).
[4679]:- من الآية (94) من سورة (الحجر)
[4680]:- الأليّة: اليمين، والألية بكسر اللام وتشديد الياء المفتوحة، والجمع: ألايا. أما الألية بسكون اللام وفتح الياء فهي العجيزة أو ما ركبها من شحم ولحم. (المعجم الوسيط).
[4681]:- وضح أبو حيان هذا الكلام لأن عبارة ابن عطية هذه توحي بأن الضمير عائد على [ما] على الاحتمالين مع أن قوله بعد ذلك- "وهو عائد مع المعنى...الخ" يخالف هذا، قال أبو حيان في "البحر": والضمير في [فكفارته] عائد على [ما] إن كانت موصولة اسمية، وهو على حذف مضاف، وإن كانت مصدرية عاد الضمير على ما يفهم من المعنى وهو إثم الحنث وإن لم يجر له ذكر صريح لكن يقتضيه المعنى"- وهذا هو الذي أراده ابن عطية ولم تؤده عبارته بدقة.
[4682]:- المكّوك: مكيال قديم يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، قيل: يسع صاعا ونصف صاع.
[4683]:- هو عبد الله بن وهب بن مسلم المصري، فقيه من الأئمة، من أصحاب مالك، جمع بين الفقه والحديث والعبادة، من كتبه: الجامع في الحديث، والموطأ في الحديث أيضا، وكان حافظا ثقة، عرض عليه القضاء فخبأ نفسه ولزم بيته، مولده ووفاته بمصر (ت 197هـ)- (الوفيات، والتهذيب).
[4684]:- عبد الملك بن حبيب بن سليمان القرطبي، عالم الأندلس وفقيهها، سكن قرطبة، وزار مصر، ثم عاد إلى الأندلس وتوفي بقرطبة، كان عالما بالتاريخ والأدب، رأسا في فقه المالكية، له تصانيف كثيرة، قيل: تزيد على الألف، منها: "حروب الإسلام، طبقات الفقهاء والتابعين، تفسير موطأ مالك"، قال عنه ابن لبابة: عبد الملك بن حبيب عالم الأندلس، (معجم البلدان- الديباج- تاريخ علماء الأندلس).
[4685]:- القفار من الخبز، والجمع: أدم.
[4686]:- الإدام: ما يستمرأ به الخبز، والجمع: أدم.
[4687]:- الوسط هنا منزلة بين منزلتين، ونصفا بين طرفين: ومنه الحديث: (خير الأمور أوسطها). روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "كان الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة، وكان الرجل يقول أهله قوتا فيه شدة، فنزلت: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} فدل هذا على أن الوسط: ما كان بين شيئين.
[4688]:- البيت لأبي الطمحان القيني، وهو شاعر إسلامي اسمه: حنظلة بن الشرفي، والبيت بتمامه: وأهله ود قد تبريت ودّهم وأبليتهم في الحمد جهدي ونائلي. معنى (تبريت): تعرضت لودهم وبذلت في ذلك طاقتي من نائل، وهذه هي رواية اللسان، ورواية التاج "بذلي ونائلي".
[4689]:- قال في اللسان: وحكى ابن الأعرابي: "ليلاة"، وأنشد: في كل يوم ما وكلّ ليلاه حتى يقول كل راء إذا رآه يا ويحه من جمل ماأشقاه وتأمل الاختلاف في الرواية، فهي: "في كل يوم ما" بدلا من "في كل ما يوم"- وهي أيضا: "كل راء إذا رآه" بدلا من "رآه إذا رآه"، ورواية ابن جني في المحتسب مثل رواية اللسان
[4690]:-- التبّان- بضم التاء وتشديدها: سراويل صغير مقدار شبر يستر العوة المغلظة، قيل: يكون للملاحين، ومنه حديث عمار (أنه صلى في تبّان وقال: إني ممثون)، يعني أنه يشتكي من المثانة. وفي حديث عمر: (صلى رجل في تبّان وقميص) (النهاية في غريب الحديث والأثر-لابن الأثير).
[4691]:- من الآية (35) من سورة (آل عمران).
[4692]:- الشغب: تهُّيج الشر وإثارة الفتن والاضطراب.
[4693]:- حرّره: أعتقه، والفرزدق يريد أنه حررهم من الهجاء الذي كان سيضع منهم ويضر بأحسابهم ومكانتهم، وقد فعل هذا عن قدرة.
[4694]:-الرأي الأول وهو جواز عتق الكافر هو رأي أبي حنيفة رضي الله عنه- وأما الرأي الثاني وهو وجوب أن تكون الرقبة المعتقة مؤمنة (وهو رأي مالك) فدليله غير ما ذكر ابن عطية أن التحرير هنا قربة واجبة فلا يكون الكافر محلا لها كالزكاة. واشترط المالكية- مع الإيمان- أن تكون كاملة ليس فيها شرك لغيره لقوله تعالى: {فتحرير رقبة} وبعض الرقبة، ليس برقبة، واشترطوا كذلك أن تكون سليمة لأن النص يوجب أن تكون كاملة، والمعيبة بمرض أو عجز غير كاملة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يعتق امرءا مسلما إلا كان فكاكه من النار كل عضو منه بعضو منه حتى الفرج بالفرج).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (89)

استئناف ابتدائي نشأ بمناسبة قوله : { لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم } [ المائدة : 87 ] لأنّ التحريم يقع في غالب الأحوال بأيْمان معزومة ، أو بأيمان تجري على اللسان لقصد تأكيد الكلام ، كأنْ يقول : والله لا آكل كذا ، أو تجري بسبب غضب . وقيل : إنّها نزلت مع الآية السابقة فلا حاجة لإبداء المناسبة لذكر هذا بعد ما قبله . روى الطبري والواحدي عن ابن عبّاس أنّه لمّا نزل قوله تعالى : { يأيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم } [ المائدة : 87 ] ونهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عمّا عزموا عليه من ذلك ، كما تقدّم آنفاً ، قالوا : يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفناها عليها ، فأنزل الله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } الآية . فشرع الله الكفّارة . وتقدّم القول في نَظير صدر هذه الآية في سورة البقرة . وتقدّم الاختلاف في معنى لغو اليمين . وليس في شيء من ذلك ما في سبب نزول آية { يأيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم } [ المائدة : 87 ] ، ولا في جعل مثل ما عزم عليه الذين نزلت تلك الآية في شأنهم من لغو اليمين . فتأويل ما رواه الطبري والواحدي في سبب نزول هذه الآية أنّ حادثة أولئك الذين حرّموا على أنفسهم بعض الطيّبات ألحقت بحكم لغو اليمين في الرخصة لهم في التحلّل من أيمانهم .

وقوله : { بما عَقَّدْتُمْ الأيمان } ، أي ما قصدتم به الحَلف . وهو يُبيّن مجمل قوله في سورة البقرة ( 225 ) { بما كَسَبَتْ قلوبُكم }

وقَرَأ الجمهورُ { عقَّدتم } بتشديد القاف . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلَف بتخفيف القاف . وقرأه ابن ذكوان عن ابنِ عامر { عَاقدتم } بألف بعد العين من باب المفاعلة . فأمّا { عقّدتم } بالتشديد فيفيد المبالغة في فعل عَقَد ، وكذلك قراءة { عاقدتم } لأنّ المفاعلة فيه ليست على بابها ، فالمقصود منها المبالغة ، مثل عافَاه الله . وأمّا قراءة التخفيف فلأنّ مادّة العقد كافية في إفادة التثبيت . والمقصود أنّ المؤاخذة تكون على نية التوثّق باليمين ، فالتعبير عن التوثّق بثلاثة أفعال في كلام العرب : عقَد المخفّف ، وعقَّد المشدّد ، وعَاقَد .

وقوله : { ذلك كفّارة أيمانكم } إشارة إلى المذكور ، زيادة في الإيضاح . والكفّارة مبالغة في كفَر بمعنى ستَر وأزال . وأصل الكَفْر بفتح الكاف الستر . وقد جاءت فيها دلالتان على المبالغة هما التضعيف والتاء الزائدة ، كتاء نسَّابة وعلاّمة . والعرب يجمعون بينهما غالباً .

وقوله : { إذا حلفتم } أي إذا حلفتم وأردتم التحلّل ممّا حلفتم عليه فدلالة هذا من دلالة الاقتضاء لظهور أن ليست الكفّارة على صدور الحلف بل على عدم العمل بالحلف لأنّ معنى الكفارة يقتضي حصول إثم ، وذلك هو إثم الحِنث .

وعن الشافعي أنّه استدلّ بقوله : { كفّارة أيمانكم إذا حلفتم } على جواز تقديم الكفّارة على وقوع الحنث ، فيحتمل أنّه أخذ بظاهر إضافة { كفّارة } إلى { أيمانكم } ، ويحتمل أنّه أراد أنّ الحلف هو سبب السبب فإذا عزم الحالف على عدم العمل بيمينه بعد أن حلف جاز له أن يكفّر قبل الحنث لأنّه من تقديم العوض ، ولا بأس به .

ولا أحسب أنّه يعني غير ذلك . وليس مراده أنّ مجرّد الحلف هو موجب الكفّارة . وإذ قد كان في الكلام دلالة اقتضاء لا محالة فلا وجه للاستدلال بلفظ الآية على صحّة تقديم الكفّارة . وأصل هذا الحكم قول مالك بجواز التكفير قبل الحنث إذا عزم على الحنث . ولم يستدلّ بالآية . فاستدلّ بها الشافعي تأييداً للسنّة . والتكفيرُ بعد الحنث أولى .

وعقّب الترخيص الذي رخّصه الله للنّاس في عدم المؤاخذة بأيمان اللغو فقال { واحفظوا أيمانكم } . فأمر بتوخّي البرّ إذا لم يكن فيه حرج ولا ضُرّ بالغير ، لأنّ في البرّ تعظيم اسم الله تعالى . فقد ذكرنا في سورة البقرة أنّهم جرى معتادهم بأنّ يقسموا إذا أرادوا تحقيق الخبر ، أو إلجاء أنفسهم إلى عمل يعزمون عليه لئلاّ يندموا عن عزمهم ، فكان في قوله { واحفظوا أيمانكم } زجر لهم عن تلك العادة السخيفة . وهذا الأمر يستلزم الأمر بالإقلال من الحلف لئلاّ يعرّض الحالف نفسه للحنث . والكفّارة ما هي إلاّ خروج من الإثم . وقد قال تعالى لأيّوب عليه السلام : { وخُذ بيدك ضِغثاً فاضرب به ولا تحنَث } [ ص : 44 ] . فنزّهه عن الحنث بفتوى خصّه بها .

وجملة { كذلك يبيّن الله لكم آياته } تذييل . ومعنى { كذلك } كهذا البيان يبيّن الله ، فتلك عادة شرعه أن يكون بيّناً ، وقد تقدّم القول في نظيره في قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً } في سورة البقرة ( 143 ) .

وتقدّم القول في معنى { لعلّكم تشكرون } عند قوله تعالى : { يأيّها الناس اعبدوا ربّكم } في سورة البقرة ( 21 ) .