أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال « لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم } [ المائدة : 87 ] في القوم الذين كانوا حرَّموا النساء ، واللحم على أنفسهم ، قالوا : يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ؟ فأنزل الله { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } » .
وأخرج أبو الشيخ عن يعلى بن مسلم قال : سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال : اقرأ ما قبلها فقرأت { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } إلى قوله { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : اللغو أن تحرم هذا الذي أحل الله لك وأشباهه تكفر عن يمينك ولا تحرمه ، فهذا اللغو الذي لا يؤاخذكم به { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } فإن مت عليه أخذت به .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : هو الرجل يحلف على الحلال أن يحرمه ، فقال الله { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } أن تتركه وتكفر عن يمينك { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال : ما أقمت عليه .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : هما الرجلان يتبايعان . يقول أحدهما : والله لا أبيعك بكذا ، ويقول الآخر : والله لا أشتريه بكذا .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن إبراهيم قال : اللغو . أن يصل الرجل كلامه بالحلف ، والله لتجيئن ، والله لتأكلن ، والله لتشربن ، ونحو هذا لا يريد به يميناً ، ولا يتعمد به حلفاً ، فهو لغو اليمين ليس عليه كفارة .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك قال : الأيمان ثلاثة . يمين تكفر ، ويمين لا تكفر ، ويمين لا يؤاخذ بها ، فأما التي تكفر فالرجل يحلف على قطيعة رحم أو معصية الله فيكفر يمينه ، والتي لا تكفر الرجل يحلف على الكذب متعمداً ولا تكفر ، والتي لا يؤاخذ بها فالرجل يحلف على الشيء يرى أنه صادق فهو اللغو لا يؤاخذ به . والله أعلم .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة قال : اللغو . الخطأ ، أن يحلف على الشيء وأنت ترى أنه كما حلفت عليه ، فلا يكون كذلك تجوّز لك عنه ولا كفَّارة عليك فيه { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال : ما تعمدت فيه المآثم فعليك فيه الكفارة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن مجاهد { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال : بما تعمدتم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } قال : الرجل يحلف على الشيء وهو يعلمه .
وأخرج أبو الشيخ عن عائشة قالت : إنما اللغو في المراء والهزل والمزاحة في الحديث الذي لا يعقد عليه القلب ، وإنما الكفارة في كل يمين حلف عليها في جد من الأمر في غضب أو غيره ليفعلن أو ليتركن ، فذاك عقد الأيمان الذي فرض الله فيه الكفارة .
قوله تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين } .
وأخرج ابن ماجة وابن مردويه عن ابن عباس قال « كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر الناس به ، ومن لم يجد فنصف صاع من بر » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقيم كفارة اليمين مداً من حنطة بمد الأول » .
وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت أبي بكر قالت : كنا نعطي في كفارة اليمين بالمد الذي يقتات به .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال : أني أحلف لا أعطي أقواماً ثم يبدو لي أن أعطيهم ، فأطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعاً من شعير ، أو صاعاً من تمر ، أو نصف صاع من قمح .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من قمح .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من حنطة .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس : في كفارة اليمين نصف صاع من حنطة .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد قال : كل طعام في القرآن فهو نصف صاع ، في كفارة اليمين وغيرها .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس قال : في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن زيد بن ثابت . أنه قال : في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عمر . في كفارة اليمين قال : إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين مد من حنطة .
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال : ثلاث فيهن مد مد ، كفارة اليمين ، وكفارة الظهار ، وكفارة الصيام .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله { فكفارته إطعام عشرة مساكين } قال : يغديهم ويعشيهم ، إن شئت خبزاً ولحماً ، أو خبزاً وزيتاً ، أو خبزاً وسمناً ، أو خبزاً وتمراً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن محمد بن سيرين . في كفارة اليمين قال : أكلة واحدة .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الشعبي أنه سئل عن كفارة اليمين فقال : رغيفين وعرق لكل مسكين .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سفيان الثوري عن جابر قال : قيل للشعبي أردد على مسكين واحد . قال : لا يجزيك إلا عشرة مساكين .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن . أنه كان لا يرى بأساً أن يطعم مسكيناً واحداً عشر مرات في كفارة اليمين .
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { من أوسط ما تطعمون أهليكم } قال : من عسركم ويسركم .
وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس قال : كان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه سعة ، وكان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه شدة ، فنزلت { من أوسط ما تطعمون أهليكم } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : كان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه فضل ، وبعضهم يقوت قوتاً دون ذلك ، فقال الله { من أوسط ما تطعمون أهليكم } ليس بأرفعه ولا أدناه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر { من أوسط ما تطعمون أهليكم } قال : من أوسط ما نطعم أهلينا الخبز والتمر ، والخبز والزيت ، والخبز والسمن ، ومن أفضل ما نطعمهم الخبز واللحم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن سيرين قال : كانوا يقولون : أفضله الخبز واللحم ، وأوسطه الخبز والسمن ، وأخسه الخبز والتمر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : كان أهل المدينة يفضلون الحر على العبد ، والكبير على الصغير ، يقولون : الصغير على قدره والكبير على قدره ، فنزلت { من أوسط ما تطعمون أهليكم } فأمروا بأوسط من ذلك ليس بأرفعه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { من أوسط } يعني من أعدل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { من أوسط } قال : من أمثل .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير { من أوسط ما تطعمون أهليكم } قال : قوتهم ، والطعام صاع من كل شيء إلا الحنطة .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : كل شيء فيه إطعام مسكين فهو مد بمد أهل مكة .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { أو كسوتهم } قال " عباءة لكل مسكين " .
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال « قلنا يا رسول الله { أو كسوتهم } ما هو ؟ قال : عباءة » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { أو كسوتهم } قال : عباءة لكل مسكين أو شملة .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { أو كسوتهم } قال : ثوب ثوب لكل إنسان ، وقد كانت العباءة تقضي يومئذ من الكسوة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : الكسوة ثوب أو إزار .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { أو كسوتهم } قال : القميص أو الرداء أو الإزار . قال : ويجزي في كفارة اليمين كل ثوب إلا التبان أو القلنسوة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد { أو كسوتهم } قال : أدناه ثوب ، وأعلاه ما شئت .
وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب { أو كسوتهم } قال : إزار وعمامة .
وأخرج أبو الشيخ عن الزهري قال : السراويل لا يجزي ، والقلنسوة لا تجزي .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمران بن حصين . أنه سئل عن قوله { أو كسوتهم } قال : لو أن وفداً قدموا على أميركم فكساهم قلنسوة قلنسوة قلتم قد كسوا .
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء . في الرجل يكون عليه الكفارة من اليمين فيكسو خمس مساكين ، ويطعم خمسة أن ذلك جائز ؟ .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير أنه قرأ « إطعام عشرة مساكين أو كاسوتهم » ثم قال سعيد : أو كاسوتهم في الطعام .
أما قوله تعالى : { أو تحرير رقبة } .
وأخرج ابن أبو شيبة وأبو الشيخ عن الحسن قال : لا يجزي الأعمى ولا المقعد في الرقبة .
وأخرج أبو الشيخ عن فضالة بن عبيد قال : يجزي ولد الزنا في الرقبة الواجبة .
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء بن أبي رياح قال : تجزي الرقبة لصغيرة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن : أنه كان لا يرى عتق الكافر في شيء من الكفارات .
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال : لا يجزي ولد الزنا في الرقبة ، ويجزئ اليهودي والنصراني في كفارة اليمين . والله تعالى أعلم .
أما قوله تعالى : { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام } .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس . في آية كفارة اليمين قال : هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة ، الأول فالأوّل ، فإن لم يجد شيئاً من ذلك فصيام ثلاثة أيام متتابعات .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : « لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة : يا رسول الله نحن بالخيار ؟ قال » أنت بالخيار ، إن شئت أعتقت ، وإن شئت كسوت ، وإن شئت أطعمت ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات » .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال : من كان عنده درهمان فعليه أن يطعم في الكفارة .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال : إذا كان عنده خمسون درهماً فهو ممن يجد ويجب عليه الإطعام ، وإن كانت أقل فهو ممن لا يجد ويصوم .
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم النخعي قال : إذا كان عنده عشرون درهماً فعليه أن يطعم في الكفارة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي بن كعب . أنه كان يقرأها « فصيام ثلاثة أيام متتابعات » .
وأخرج مالك والبيهقي عن حميد بن قيس المكي قال : كنت أطوف مع مجاهد ، فجاءه إنسان يسأله عن صيام الكفارة أيتابع ؟ قال حميد : فقلت : لا . فضرب مجاهد في صدري ، ثم قال : إنها في قراءة أبي بن كعب « متتابعات » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري وأبو الشيخ والبيهقي من طرق عن ابن مسعود . أنه كان يقرأها « فصيام ثلاثة أيام متتابعات » قال سفيان : ونظرت في مصحف ربيع بن خيثم ، فرأيت فيه « فمن لم يجد من ذلك شيئاً فصيام ثلاثة أيام متتابعات » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود ، أنه كان يقرأ كل شيء في القرآن متتابعات .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس ، أنه كان يقرأها « فصيام ثلاثة أيام متتابعات » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : كل صوم في القرآن فهو متتابع ، إلاَّ قضاء رمضان فإنه عدة من أيام أخر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي . أنه كان لا يفرق في صيام اليمين ثلاثة أيام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن . إنه كان يقول في صوم كفارة اليمين : يصومه متتابعات ، فإن أفطر من عذر يقضي يوماً مكان يوم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير { ذلك } يعني الذي ذكر من الكفارة { كفارة أيمانكم إذا حلفتم } يعني اليمين العمد { واحفظوا أيمانكم } يعني لا تعمدوا الأيمان الكاذبة { كذلك } يعني هكذا { يبين الله لكم آياته } يعني ما ذكر من الكفارة { لعلكم تشكرون } فمن صام من كفارة اليمين يوماً أو يومين ثم وجد ما يطعم فليطعم ، ويجعل صومه تطوّعاً .
وأخرج عبد الرزاق والبخاري وابن أبي شيبة وابن مردويه عن عائشة قالت : كان أبو بكر إذا حلف لم يحنث ، حتى نزلت آية الكفارة ، فكان بعد ذلك يقول : لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وقبلت رخصة الله .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : من حلف على ملك يمين ليضربه فكفارته تركه ، ومع الكفارة حسنة .
وأخرج أبو الشيخ عن جبير بن مطعم . أنه افتدى يمينه بعشرة آلاف درهم ، وقال : ورب هذه القبلة لو حلفت لحلفت صادقاً ، وإنما هو شيء افتديت به يميني .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي نجيح . أن ناساً من أهل البيت حلفوا عند البيت خمسين رجلاً قسامة ، فكأنهم حلفوا على باطل ، ثم خرجوا حتى إذا كانوا في بعض الطريق قالوا تحت صخرة ، فبينما هم قائلون تحتها إذ انقلبت الصخرة عليهم ، فخرجوا يشتدون من تحتها ، فانفلقت خمسين فلقة ، فقتلت كل فلقة رجلاً .