قوله سبحانه : { ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان }[ المائدة :89 ] .
معناه : شدَّدتم ، وعَقْدُ اليمينِ كَعَقْدِ الحبل ، والعهد قال الحطيئة :[ البسيط ]
قَوْمٌ إذَا عَقَدُوا عَقْداً لِجَارِهِمُ *** شَدُّوا الْعِنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا
قال الفَخْر : وأما وجه المناسبة بَيْنَ هذه الآية والَّتي قبلها ، فهو ما تقدَّم ، مِنْ أنَّ قوماً من الصحابة ( رضي اللَّه عنهم ) حَرَّموا على أنفسهم المطاعِمَ ، والمَلاَذَّ ، وحلفوا على ذلك ، فلمَّا نهاهم اللَّه تعالى عن ذلك ، قالوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فكيف نصنع بأَيْمَانِنَا ؟ فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية ، انتهى .
قوله سبحانه : { فكفارته إِطْعَامُ عَشَرَةِ مساكين } أي : إشباعهم مرةً واحدةً ، وحكم هؤلاءِ أن لاَّ يتكرَّر واحدٌ منهم في كفَّارة يمينٍ واحدةً ، واختلفَ في معنى قوله سبحانه : { مِنْ أَوْسَطِ } ، فرأى مالك وجماعةٌ معه هذا التوسُّط في القَدْر ، ورأى ذلك جماعةٌ في الصِّنْف ، والوَجْهُ أن يُعَمَّ بلفظ «الوسَطِ » القَدْرُ ، والصِّنْفُ ، فرأى مالكٌ أنْ يُطْعَمَ المسكينُ بالمدينة مُدًّا بمُدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وذلك رِطْلٌ وثُلُثٌ ، وهذا لضيقِ المعيشة بالمدينة ، ورأى في غيرها أنْ يتوسَّع ، ورأى من يقول : إنَّ التوسُّط إنما هو في الصِّنْف أنْ يكون الرجُلُ المكفِّر يتجنب أدنى ما يأكل الناس في البلد ، وينحطُّ عن الأعلى ، ويكفِّرُ بالوَسَط من ذلك ، ومذهب «المدونة » ، أنْ يراعي المكفِّر عيش البلد ، وتأويلُ العلماء في الحانث في اليمين باللَّه : أنه مخيَّر في الإطعام ، أو الكُسْوة ، أو العِتْق ، والعلماءُ على أنَّ العتق أفضلُ ذلك ، ثم الكسوة ثم الإطعام ، وبدأ اللَّه تعالى عباده بالأيسر فالأيسر .
قال الفَخْر : وبدأ سبحانه بالإطعام ، بأنه أعمُّ وجوداً ، والمقصودُ منه التنبيهُ على أنه سبحانه يُرَاعِي التخفيفَ ، والتسهيلَ في التكاليفِ ، وثانيها : أنَّ الإطعام أفضلُ ، قلتُ : وهذا هو مشهورُ مذهب مالكٍ ، انتهى . ويجزئ عند مالكٍ من الكُسْوَة في الكفارة ما يجزئُ في الصَّلاة .
وقوله سبحانه : { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ، أيْ : مؤمنة ، قاله مالك ، وجماعةٌ : لأن هذا المطْلَق راجعٌ إلى المقيدِ في عِتْقِ الرقبة في قَتْل الخطأ .
وقوله سبحانه : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } معناه : لم يجدْ في ملكه أحد هذه الثلاث المذكورة ، واختلفَ العلماءُ في حدِّ هذا العادِمِ ، ومتى يصحُّ له الصيام ، فقال الشافعيُّ ، ومالكٌ ، وجماعة من العلماء : إذا كان المكفِّر لا يملك إلاَّ قوته ، وقُوتَ عياله ، يَوْمَهُ وليلته ، فله أنْ يصوم ، فإن كان عنده زائدٌ على ذلك مَا يُطْعِم عشرةَ مساكينَ ، لزمه الإطعام ، قال الطبريُّ : وقال آخرون : جائز لِمَنْ لم يكُنْ له فضْلٌ على رأس ماله الذي يتصرَّف به في معايشه ، أنْ يصوم ، وقرأ أبيُّ بن كعبٍ ، وابن مسعود : «ثلاثة أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ » ، وقال بذلك جماعة .
وقال مالك وغيره : إن تابع ، فحَسَنٌ ، وإن فرق أجزأ ، وقوله : { إِذَا حَلَفْتُمْ } معناه : وأردتم الحِنْثَ ، أو وَقَعْتُمْ فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.