قوله تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ } : إلى آخره ، تقدم إعرابُ ذلك في سورة البقرة واشتقاقُ المفردات . وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم : " عَقَدْتُمْ " بتخفيف القاف دون ألف بعد العين ، وابن ذكوان عن ابن عامر : " عاقدتم " بزنة فاعلتم ، والباقون : " عَقَّدتم " بتشديد القاف . فأمَّا التخفيفُ فهو الأصل ، وأمَّاالتشديدُ فيحتمل أوجهاً ، أحدها : أنه للتكثيرِ لأنَّ المخاطبَ به جماعةٌ . والثاني : أنه بمعنى المجردِ فيوافِقُ القراءةَ الأولى ، ونحوه : قَدَّر وقَدَر . والثالث : أنه يَدُلُّ على توكيد اليمين نحو : " واللهِ الذي لا إله إلا هو " . والرابع : أنه يدل على تأكيد العزم بالالتزام . الخامس : أنه عوضٌ من الألف في القراءة الأخرى ، ولا أدري ما معناه ، ولا يجوز أن يكونَ لتكرير اليمين فإنَّ الكفارةَ تَجِبُ ولو بمرةٍ واحدةٍ .
وقد تَجَرَّأ أبو عبيد على هذه القراءةِ وزيَّفَها فقال : " التشديد للتكرير [ مرةً ] من بعد مرة ، ولست آمنُ أن توجِبَ هذه القراءةُ سقوطَ الكفارةِ في اليمين الواحدة لأنها لم تكرَّرْ " وقد وَهَّموه الناسُ في ذلك ، وذكروا تلك المعاني المتقدمة ، فَسَلِمَتِ القراءةُ تلاوةً ومعنى ولله الحمدُ .
وأمَّا " عاقدت " فيُحتملُ أن يكونَ بمعنى المجردِ نحو : " جاوزت الشيء وجُزْتُه " وقال الفارسي : " عاقَدْتم " يحتمل أمرين ، أحدهما : أن يكونَ بمعنى فَعَل ، كطارقت النَّعْل وعاقبتُ اللص ، والآخر : أن يُراد به فاعَلْتُ التي تقتضي فاعلين ، كأن المعنى : بما عاقدتم عليه الأيمانَ ، عَدَّاه ب " على " لَمَّا كان بمعنى عاهد ، قال :
{ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ } [ الفتح : 10 ] كما عَدَّى : { نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ } [ المائدة : 58 ] ب " إلى " وبابُها أن تقول : ناديت زيداً [ نحو : ] { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ }
[ مريم : 52 ] لَمَّا كانت بمعنى دَعَوْتُ إلى كذا ، قال : { مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ }
[ فصلت : 33 ] ثم اتُّسِع فحُذِف الجارُّ ونُقِل الفعل إلى المفعول ، ثم حُذِف الضمير العائد من الصلة إلى الموصول إذ صار : { بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ } كما حُذِف من قوله : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } [ الحجر : 94 ] قلت : يريد - رحمه الله - أن يبيِّن معنى المفاعلة فأتى بهذه النظائر للتضمين ولحذفِ العائدِ على التدريج ، والمعنى : بما عاقَدْتُم عليه الأيمان وعاقَدَتُم الأيمان عليه ، فَنَسَب المعاقدةَ إلى الأيمان مجازاً . ولقائل أن يقول : قد لانحتاجُ إلى عائد حتى نحتاج إلى هذا التكلُّفِ الكثير ، وذلك بأن نجعلَ " ما " مصدريةً والمفعولُ محذوفٌ تقديرُه : بما عاقدتم غيرَكم الأيمانَ ، أي : بمعاقدتكم غيرَكم الأيمانَ ، ونخلص من مجازٍ آخر وهو نسبةُ المعاقدةِ إلى الأيمان ، فإنَّ في هذا الوجه نسبةَ المعاقدة للغير وهي نسبةٌ حقيقة ، وقد نَصَّ على ذلك - أعني هذا الوجه - جماعةٌ .
وقد تعقَّب الشيخُ على أبي علي كلامَه / فقال : " قوله : إنه مثل " طارَقْتُ النعل " و " عاقبت اللص " ليس مثلَه ، لأنك لا تقول : طَرَقْتُ ولا عَقَبْتُ ، وتقول : عاقَدْت اليمين وعَقَدْتُها " وهذا غيرُ لازم لأبي علي لأنَّ مرادَه أنه مثلُه من حيث إنَّ المفاعلةَ بمعنى أن المشاركة من اثنين منتفيةٌ عنه كانتفائها من عاقَبْتُ وطارَقْتُ ، أمَّا كونُه يقال فيه أيضاً كذا فلا يَضُرُّه ذلك في التشبيه .
وقال أيضاً : " تقديرُه حَذْفَ حرفِ الجر ثم الضمير على التدرج بعيدٌ ، وليس بنظير : " فاصدَعْ بما تؤمر " لأن " أمر " يتعدَّى بنفسِه تارةً وبحرف الجر أخرى ، وإن كان الأصلُ الحرفَ ، وأيضاً ف " ما " في " فاصدَعْ بما " لا يتعيَّن أن تكونَ معنى الذي ، بل الظاهر أنها مصدريةٌ ، وكذلك ههنا الأحسنُ أن تكونَ مصدريةً لمقابلتِها بالمصدرِ وهو اللَّغْوُ " .
وقد تقدَّم في سورة النساء قولُه تعالى : { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ الآية : 33 ] و " عَاقَدْت " وذكرت لك ما فيهما فصارَ في ثلاثُ قراءاتٍ في المشهور ، وفي تِيْكَ قراءاتان ، وكنت قد ذَكَرْتُ أنه رُوي عن حمزة في سورة النساء : " عَقَّدت " بالتشديد ، فيكون فيها أيضاً ثلاث قراءات ، إلا أنه اتفاقٌ غريبٌ فإنَّ حمزة من أصحاب التخفيف في هذه السورة ، وقد رُوي عنه التثقيلُ في النساء .
قوله تعالى : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ } مبتدأ وخبر ، والضميرُ في " فكفارته " فيه أربعةُ أوجه ، أحدها : أنه يعودُ على الحِنْثِ الدالِّ عليه سياقُ الكلام ، وإنْ لم يَجْرِ له ذكرٌ ، أي : فكفَّارةُ الحِنْثِ . الثاني : أنه يعود على " ما " إنْ جَعَلْناها موصولةً اسميةً ، وهو على حذفِ مضافٍ ، أي : فكفارة نُكْثه ، كذا قدَّره الزمخشري والثالث : أنه يعودُ على العَقْدِ لتقدُّمِ الفعلِ الدالِّ عليه . الرابع : أن يعودَ على اليمين ، وإن كانت مؤنثة لأنها بمعنى الحَلْف ، قالهما أبو البقاء ، وليسا بظارهرين . و " إطعامُ " مصدرٌ مضافٌ لمفعوله وهو مقدَّرٌ بحرفٍ وفعل مبني للفاعل أي : فكفارته أن يُطْعِمَ الحانثُ عشرةً ، وفاعلُ المصدر يُحذف كثيراً ، ولا ضرورة تَدْعوا إلى تقديرِه بفعلٍ مبني للمفعولِ أي : أن يُطْعَمَ عشرةٌ ، لأنَّ في ذلك خلافاً تقدَّم التنبيه عليه ، فعلى الأول يكونُ محلُّ " عشرة " نصباً ، وعلى الثاني يكون محلُّها رفعاً على ما لم يُسَمِّ فاعله ، ولذلك فائدةٌ تَظْهر في التابع ، فإذا قلت : " يعجبني أكلُ الخبزِ " فإن قدرته مبنياً للفاعل فتتبع " الخبز " بالجرِّ على اللفظِ والنصبِ على المحلِّ ، وإنْ قَدًّرْتَه مبنياً للمفعول أَتْبعته جراً ورفعاً ، فتقول ، يعجبني أكلُ الخبزِ والسمنِ والسمنَ والسمنُ ، وفي الحديث : " نَهَى عن قتلِ الأبتر وذو الطُّفْيَتَيْنِ " برفع " ذو " على معنى : أن يُقْتل الأبتر . قال أبو البقاء " والجيد أن يُقَدِّر- أي المصدر - بفعلٍ قد سُمِّي فاعلُه ، لأنَّ ما قبله وما بعده خطابٌ " قلت : فهذه قرينةٌ تُقَوِّي ذلك ، لأنَّ المعنى : فكفَّارته أَنْ تُطْعِموا أنتم أيها الحالفون ، وقد قَدَّمْتُ لك أَنَّ تقديرَه بالمبني للفاعل هو الراجحُ ، ولو لم تُوجَدْ قرينةٌٌ لأنه الأصلُ .
قوله : { مِنْ أَوْسَطِ } فيه وجهان ، أحدُهما : أنه في محلِّ رفع خبراً لمبتدأ محذوفٍ يبيِِّنه ما قبلَه تقديرُه : طعامُهم في أوسطِ ، ويكون الكلامُ قد تَمَّ عند قوله : { مساكين } وسيأتي إيضاحُ هذا بزيادةٍ قريباً إن شاء الله تعالى . والثاني : أنه في موضعِ نصبٍ لأنه صفةٌ للمفعول الثاني ، والتقديرُ : قوتاً أو طعاماً كائناً من أوسط ، وأما المفعول الأول فهو " عشرة " المضافُ إليه المصدرُ ، و " ما " موصولة اسميةٌ والعائد محذوفٌ أي : من أوسطِ الذي تطعمونه ، وقَدَّره أبو البقاء مجروراً ب " مِنْ " فقال : " الذي تطعمون منه " وفيه نظرٌ لأنَّ من شرط العائد المجرور في الحذف أَنْ يتَّحِدَ الحرفان والمتعلَّقان ، والحرفان هنا وإن اتفقا وهما " مِنْ " و " مِنْ " إلا أنَّ العامل اختلف ، فإنَّ " مِنْ " الثانية متعلقةٌ ب " تُطْعِمُون " والأولى متعلقةٌ بمحذوفٍ وهو الكون المطلق لأنها وقعت صفة للمفعول المحذوف ، وقد يُقال : إنَّ الفعل لَمَّا كان مُنْصَبّاً على قوله : { مِنْ أَوْسَطِ } فكأنه عاملٌ فيه ، وإنما قدِّرْنا مفعولاً لضرورة الصناعة ، فإن قلت : الموصولُ لم ينجرَّ " مِنْ " إنما انجرَّ بالإِضافةِ فالجواب أنَّ المضافَ إلى الموصول كالموصولِ في ذلك نحو : " مُرَّ بغلام الذي مررت " .
و " أهليكم " مفعولٌ أول ل " تُطْعِمُون " والثاني محذوف كما تقدم أي : تُطْعمونه أهليكم . " وأهليكم " جمعُ سلامةٍ ونقصه من الشروط كونُه ليس علماً ولا صفةً ، والذي حَسَّن ذلك أنه كثيراً ما يُستعمل استعمال " مستحق لكذا " في قولِهم : " هو أهلُ لكذا " أي : مستحق له فأشبه الصفاتِ فجُمع جمعَها . وقال تعالى : { شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا } [ الفتح : 11 ] { قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] ، وفي الحديث : " إنَّ لله أهلين " قيل : يا رسول الله : مَنْ هم ؟ قال : قُرَّاء القرآن هم أهل الله وخاصَّتُه " فقوله : " أهلُوا الله " جمعٌ حُذِفَتْ نونُه للإِضافة ، ويُحتمل أن يكونَ مفرداً فيكتب : " أهلُ الله " فهو في اللفظِ واحدٌ .
وقرأ جعفر الصادق : " أهالِيكم " بسكونِ الياءِ ، وفيه تخريجان / أحدُهما : أنَّ " أهالي " جمعُ تكسيرٍ ل " أَهْلَة " فهو شاذٌّ في القياس ك " لَيْلة ولَيال " . قال ابن جني : " أَهال " بمنزلةِ " ليَال " واحدها أَهْلاة ولَيْلاة ، والعربُ تقول : أهلٌ وأَهْلَة ، قال الشاعر :
وأَهْلَةُ وُدٍّ قد سُرِرْتُ بوُدِّهم *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقياسُ قولِ أبي زيد أن تجعلَه جمعاً لواحدٍ مقدرٍ نحو : أحاديث وأعاريض وإليه يشير قولُ ابن جني : " اهل بمنزلة ليال " واحدُها أَهْلاة ولَيْلاة ، فهذا يحتمل أن يكون بطريقِ السماع ، ويحتملُ أن يكونَ بطريقِ القياس كما يقول أبو زيد .
والثاني : أنَّ هذا اسمُ جمعٍ لأَهْل . قال الزمخشري : " كاليالي في جمع ليلة والأراضي في جمع أرض " قوله " في جمع ليلة وجمع أرض " أرادَ بالجمعِ اللغويَّ لأنَّ اسمَ الجمع جمعٌ في المعنى ، ولا يريد أنه جمعُ " ليلة " و " أرض " صناعةً ، لأنه قد فَرَضَه أنه اسمُ جمعٍ فكيف يجلعُه جمعاً اصطلاحاً ؟
وكان قياسُ قراءةِ جعفر تحريكَ الياءِ بالفتحة لخفتها ، ولكنه شَبَّه الياء بالألف ، فقدَّر فيها الحركةَ ، وهو كثيرٌ في النظم كقول النابغة :
رَدَّتْ عليه أقاصِيه ولَبَّده *** ضَرْبُ الوليدةِ بالمِسْحاةِ في الثَّأَدِ
كأنَّ أيدِيهنَّ بالقاعِ القَرِقْ *** أيدي جوارٍ يتعاطَيْنَ الوَرِقْ
قوله تعالى : { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } فيه وجهان ، أحدهما : أنه نسقٌ على " إطعام " أي : فكفارتُه إطعامُ عشرةٍ أو كسوة تلك العشرة . والثاني : أنه عطفٌ على محل " من أوسط " كذا قاله الزمخشري ، وهذا الذي قاله إنما يتمشَّى على وجهٍ سَبَقَ لك في قوله " من أوسط " وهو أن يكونَ " من أوسط " خبراً لمبتدأ محذوفٍ يَدُلُّ عليه ما قبلَه ، تقديرُه : طعامُهم من أوسط ، فالكلامُ عنده تامٌّ على قولِه : { عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } ثم ابتدأَ إخباراً آخرَ بأن الطعامَ يكونُ من أوسطِ كذا ، وأمَّا إذا قلنا : إنَّ " مِنْ أوسط " هو المفعولُ الثاني فيستحيل عطف " كسوتهم " عليه لتخلفهما إعراباً .
وقرأ الجمهور : " كِسوتهم " بكسر الكاف . وقرأ إبراهيم النخعي وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب بضمها ، وقد تقدم في البقرة أنهما لغتان في المصدر وفي الشيء المكسوِّ ، قال الزمخشري : " كالقِدوة في القُدوة ، والإِسوةُ في الأُسوة ، إلا أن قرأ في البقرة بضمِّها هو طلحة فلم يذكروه هنا ، ولا ذكروا هؤلاء هناك .
وقرأ سعيد بن جبير وابن السَّمَيْفَع : " أو كأُسْوَتِهم " بكاف الجر الداخلة على " أُسْوة " قال الزمخشري : " بمعنى : أو مثلُ ما تطعمون أهليكم إسرافاً كان أو تقتيراً ، لا تُنْقصونهم عن مقدارِ نفقتِهم ، ولكن تواسُون بينهم . فإنْ قلت : ما محلُّ الكاف ؟ قلت : الرفعُ : تقديرُه : أو طعامُهم كأسوتِهم ، بمعنى : كمثل طعامِهم إن لم يُطْعموهم الأوسطَ " انتهى . وكان قد تقدم أنه يَجْعل " من أوسط " مرفوعَ المحلِّ خبراً لمبتدأ محذوف ، فتكونُ الكاف عنده مرفوعةً عطفاً على " مِنْ أوسطِ " وقال أبو البقاء قريباً من هذا فإنه قال : " فالكافُ في موضعِ رفعٍ أي : أو مثلُ أسوةِ أهليكم " وقال الشيخ : " إنه في موضعِ نصبٍ عطفاً على محلِّ " مِنْ أوسط " ، لأنه عنده مفعولٌ ثان .
إلاَّ أنَّ هذه القراءة تنفي الكسوةَ من الكَفَّارة ، وقد اجمع الناس على أنها إحدى الخصالِ الثلاث ، لكن لصاحبِ هذه القراءةِ أن يقول : " استُفيدت الكسوةُ من السنَّة " أمَّا لو قام الإِجماع على أن مستندَ الكسوة في الكفارة من الآية فإنه يَصِحُ الردُّ على هذا القارئ .
قوله : { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } عطف على " إطعامُ " وهو مصدر مضاف لمفعوله ، والكلامُ عليه كالكلامِ على " إطعامُ عشرة " من جوازِ تقديره بفعلٍ مبني للفاعل أو للمفعول وما قيل في ذلك . وقوله : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ } كقوله في النساء : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ } [ الآية : 92 ] وقد تقدَّم ذلك مُحَرَّراً .
قوله : { إِذَا حَلَفْتُمْ } قال أبو البقاء : " منصوبٌ على الظرف وناصبُه " كفارة " أي : ذلك الإِطعامُ ، / أو ما عُطِف عليه يُكَفِّر عنكم حِنْثَ اليمينِ وقتَ حَلْفِكم " وقال الزمخشري : " وذلك المذكورُ كفارة ، ولو قيل : " تلك كفارةُ " لكان صحيحاً بمعنى تلك الأشياء ، أو التأنيث للكفارة ، والمعنى : " إذا حلفتم حَنِثْتُم فترك ذِكْرَ الحِنْثِ لوقوع العلم بأن الكفارة إنما تَجِبُ بالحِنْثِ بالحَلِف لا بنفس الحَلِف " . ولا بد من هذا الذي ذكره الزمخشري وهو تقديرُ الحِنْث ، ولذلك عيب على أبي البقاء قوله : " العامل في " إذا " كفارةُ أَيْمانكم ، لأن المعنى : ذلك يُكَفِّر أَيْمانكم وقتَ حَلْفكم " فقيل له : الكفارةُ ليست واقعةً في وقت الحَلْف فكيف يَعْمل في الظرف ما لا يقع فيه ؟ وظاهرُ الآية أنَّ " إذا " ممتحِّضَةُ الظرفية ، وليس فيها معنى الشرط ، وهو غيرُ الغالبِ فيها ، وقد يجوزُ أن تكونَ شرطاً ، ويكونُ جوابُها محذوفاً على قاعدةِ البصريين يَدُلُّ عليه ما تقدَّم ، أو هو نفسُ المتقدم عند أبي زيد والكوفيين ، والتقدير : إذا حَلَفْتُم وحَنِثُتم فذلك كفارةُ إثمِ أيْمانكم ، كقولهم : " أنتَ ظالمٌ إنْ فَعَلْتَ " والكافُ في قوله : { كَذلِكَ يُبَيِّنُ } نعت لمصدر محذوفٍ عند جماهيرِ المُعْربين ، أي : يبيِّن الله آياتِه تبييناً مثلَ ذلك التبيين ، وعند سيبويه أنه حالٌ من ضميرِ ذلك المصدرِ على ما عُرِفَ غيرَ مرةٍ .