التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (89)

{ باللغو } تقدم في البقرة .

{ بما عقدتم الأيمان } أي : بما قصدتم عقده بالنية ، وقرئ عقدتم بالتخفيف ، وعاقدتم بالألف .

{ إطعام عشرة مساكين } اشتراط المسكنة دليل على أنه لا يجزى في الكفارة إطعام غني ، فإن أطعم جهلا لم يجزيه على المشهور من المذهب ، واشترط مالك أيضا أن يكونوا أحرارا مسلمين ، وليس في الآية ما يدل على ذلك .

{ من أوسط ما تطعمون أهليكم } اختلف في هذا التوسط هل هو في القدر أو في الصنف ، واللفظ يحتمل الوجهين ، فأما القدر فقال مالك : يطعم بالمدينة مدّ بمدّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وبغيرها وسط من الشبع ، وقال الشافعي وابن القاسم : يجزى المدّ في كل مكان وقال أبو حنيفة : إن غداهم وعشاهم أجزأه ، وأما الصنف فاختلف هل يطعم من عيش نفسه ، أو من عيش أهل بلده ؟ فمعنى الآية على التأويل الثاني من أوسط ما تطعمون أيها الناس أهليكم على الجملة ، وعلى الأول يختص الخطاب بالكفر .

{ أو كسوتهم } قال كثير من العلماء : يجزى ثوب واحد لمسكين ، لأنه يقال فيه كسوة ، وقال مالك : إنما يجزي ما تصح به الصلاة ، فالرجل ثوب واحد ، وللمرأة قميص وخمار .

{ أو تحرير رقبة } اشترط مالك فيها أن تكون مؤمنة لتقيدها بذلك في كفارة القتل ، فحمل هذا المطلق على ذلك المقيد ، وأجاز أبو حنيفة هنا عتق الكافرة ، لإطلاق اللفظ هنا ، واشترط مالك أيضا أن تكون سليمة من العيوب وليس في اللفظ ما يدل على ذلك .

{ فمن لم يجد } أي : من لم يملك ما يعتق ولا ما يطعم ولا ما يكسو فعليه صيام ثلاثة أيام ، فالخصال الثلاث على التخيير ، والصيام مرتب بعدها لمن عدمها ، وهو عند مالك من لم يفضل عن قوته وقوت عياله في يومه زيادة .

{ ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } معناه إذا حلفتم وخشيتم أو أردتم الحنث ، واختلف هل يجوز تقديم الكفارة على الحنث أم لا .

{ واحفظوا أيمانكم } أي : احفظوها فبروا فيها ، ولا تخشوا ، وقيل : احفظوها بأن تكفروها إذا حنثتم ، وقيل : احفظوها أي لا تنسوها تهاونا بها