بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطۡعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (89)

{ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو فِي أيمانكم }

قال ابن عباس : اللغو أن يحلف الرجل على شيء بالله ، وهو يرى أنه صادق ، وهو فيه كاذب . وهكذا روي عن أبي هريرة أنه كان يقول : لغو اليمين : أن يحلف الرجل على شيء ، يظن أنه الذي حلف عليه هو صادق ، فإذا هو غير ذلك . وقال الحسن : هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك ، وليس هو كذلك . وقال سعيد بن جبير : الرجل يحلف باليمين الذي لا ينبغي أن يحلف بها ، يحرم شيئاً هو حلال ، فلا يؤاخذه الله بتركه ، لكن يؤاخذه الله إن فعل . وقال زيد بن أسلم : هو قول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا ، وأخرجني الله من مالي وولدي ، وقالت عائشة : اللغو : هو قول الرجل لا والله ، وبلى والله ، على شيء لم يعقده قلبه .

ثم قال : { ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم في رواية حفص { عَقَّدتُّمُ } بالتشديد ، وقرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم ، في رواية أبي بكر : { عَقَّدتُّمُ } بالتخفيف ، وقرأ ابن عامر : { بِمَا عَقَّدتُّمُ } فمن قرأ : { عاقدتم } فهو من المعاقدة ، والمعاقدة تجري بين الاثنين ، وهو أن يحلف الرجل لصاحبه بشيء ، ومن قرأ بالتشديد فهو للتأكيد . ومن قرأ بالتخفيف لأن اليمين تكون مرة واحدة . والتشديد تجري في التكرار والإعادة .

وروى عبد الرزاق عن بكار بن عبد الله قال : سئل وهب بن منبه عن قوله : { عَلِيمٌ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو فِي أيمانكم } قال : الأيمان ثلاثة : لغو وعقد وصبر ، فأما اللغو : فلا والله ، وبلى والله ، لا يعقد عليه القلب ، وأما العقد : أن يحلف الرجل لا يفعله فيفعله ، فعليه الكفارة ، وأما الصبر : بأن يحلف على مال ليقتطعه بيمينه ، فلا كفارة له .

وروى حسين بن عبد الرحمن عن أبي مالك الغفاري قال : الأيمان ثلاثة : يمين تكفر ، ويمين لا تكفر ، ويمين لا يؤاخذ الله بها . وذكر إلى آخره ثم بيّن كفارة اليمين فقال تعالى : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مساكين مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } . روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه قال : الغداء والعشاء . وسئل شريح عن الكفارة فقال : الخبز والزيت والخل والطيب . فقال السائل : أرأيت إن أطعمت الخبز واللحم ؟ قال : ذلك أرفع طعام أهلك وطعام الناس . وروي عن ابن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما قالا : لكل مسكين نصف صاع من حنطة يعني : إذا أراد أن يدفع إليهم ، وإن أراد أن يطعمهم ، فالغداء والعشاء .

ثم قال : { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } قال مجاهد : أدناه ثوب وأعلاه ما شئت ، وقال إبراهيم النخعي : لكل مسكين ثوب وقال الحسن : ثوبان أبيضان ثم قال : { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } يعني : يعتق رقبة ، ولم يشترط ها هنا المؤمنة ، فيجوز الكفارة بالكافرة والمؤمنة ، فالرجل بالخيار بين هذه الأشياء الثلاثة ، { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } الطعام ولا الكسوة ولا الرقبة فعليه { فَصِيَامُ } يعني : صيام { ثلاثة أَيَّامٍ } وذلك قوله تعالى :{ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } .

وروى سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح قال : سئل طاوس عن صيام الكفارة ، قال : يفرق . قال له مجاهد كان عبد الله يقرأ : متتابعات ، قال طاوس : فهو أيضاً متتابعات . وروى مالك عن حميد ، عن مجاهد قال : كان أبي يقرأ فصيام ثلاثة أيام متتابعات في الكفارة اليمين .

ثم قال : { ذلك } يعني : الذي ذكر { كَفَّارَةُ أيمانكم } عن الطعام والكسوة والعتق والصوم ، ثم قال : { إِذَا حَلَفْتُمْ واحفظوا أيمانكم } يعني : ليعلم الرجل ما حلف عليه ، فليكفر يمينه إذا حنث ، { كَذَلِكَ يُبَيّنُ الله لَكُمْ آياته } يعني : أمره ونهيه ، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : لكي تشكروا رب هذه النعمة ، إذ جعل لكم مخرجاً من أيمانكم بالكفارة ، والكفارة في اللغة : هو التغطية يعني : يغطي إثمه .