المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا} (25)

عدد الله تعالى في هذه الآية نعمه على المؤمنين في هزم الأحزاب وأن الله تعالى ردهم { بغيظهم } لم يشفوا منه شيئاً ولا نالوا مراداً ، { وكفى } كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل الأحزاب ، وروي أن المراد ب { المؤمنين } هنا علي بن أبي طالب وقوم معه عنوا للقتال وبرزوا ودعوا إليه وقتل علي رجلاً من المشركين اسمه عمرو بن عبد ود ، فكفاهم الله تعالى مداومة ذلك وعودته بأن هزم الأحزاب بالريح والملائكة وصنع ذلك بقوته وعزته .

قال أبو سعيد الخدري : حبسنا يوم الخندق فلم نصل الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء حتى كان بعد هوى من الليل كفينا وأنزل الله تعالى ، { وكفى الله المؤمنين القتال } ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام وصلى الظهر فأحسنها ثم كذلك حتى صلى كل صلاة بإقامة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا} (25)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ورد الله الذين كفروا بغيظهم} أبا سفيان وجموعه من الأحزاب بغيظهم.

{لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا} في ملكه {عزيزا} في حكمه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"ورَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا" به وبرسوله من قُرَيش وغطفان "بِغَيْظِهِمْ "يقول: بكربهم وغمهم، بفوتهم ما أمّلوا من الظفر، وخيبتهم مما كانوا طَمِعوا فيه من الغَلَبة، "لَمْ ينَالوا خَيْرا" يقول: لم يصيبوا من المسلمين مالاً ولا إسارا، "وكَفَى اللّهُ المُؤْمِنِينَ القِتالَ" بجنود من الملائكة والريح التي بعثها عليهم...

وقوله: "وكانَ اللّهُ قَوِيّا عَزِيزا" يقول: وكان الله قويا على فعل ما يشاء فعله بخلقه، فينصر من شاء منهم على من شاء أن يخذله، لا يغلبه غالب "عزيزا" يقول: هو شديد انتقامه ممن انتقم منه من أعدائه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وكان الله قويا عزيزا} لأنه قوي بذاته، لا يلحقه ذل. وإن لحق أولياءه الذل والضعف، فليس كملوك الأرض إذا ذهب أصحابهم، أو دخل فيهم ذل وضعف ذل ملكهم لأنه عزيز بجنده وحشمه فأما الله سبحانه فقوي بذاته لا يلحقه ذل ولا ضعف بذهاب أوليائه...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

لم يُشمت بالمسلمين عَدُوًّا، ولم يُوصِّلْ إليهم مَنْ كيدهم سوءاً، ووضع كيدهم في نحورهم، واجتثَّهم من أصولهم، وبيِّن بذلك جواهر صِدْقهم وغير صدقهم، وشكَر مَنْ استوجب شكره مِنْ جملتهم، وفضحَ مَنْ استحقّ الذمّ من المدلسِّين منهم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وكفى الله المؤمنين القتال} أي لم يحوجهم إلى قتال {وكان الله قويا} غير محتاج إلى قتالهم "عزيزا "قادرا على استئصال الكفار وإذلالهم.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}... ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده". أخرجاه من حديث أبي هريرة. وفي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوْفى قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب. اللهم، اهزمهم وزلزلهم".

وفي قوله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}: إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش، وهكذا وقع بعدها، لم يغزهم المشركون، بل غزاهم المسلمون في بلادهم، كما قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني أبو إسحاق قال: سمعت سليمان بن صُرَد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "الآن نغزوهم ولا يغزونا". وهكذا رواه البخاري في صحيحه، من حديث الثوري وإسرائيل، عن أبي إسحاق، به.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

... {لم ينالوا خيراً} لا من الدين ولا من الدنيا، بل خذلهم بكل اعتبار.

ولما كان الرد قد يكون بسبب من عدوهم، بين أن الأمر ليس كذلك فقال: {وكفى الله} أي العظيم بقوته وعزته عباده، ودل على أنه ما فعل ذلك إلا لأجل أهل الإخلاص فقال: {المؤمنين القتال}.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

وفسر بعضهم الخير بالظفر بالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وإطلاق الخير عليه مبني على زعمهم، وفسره بعضهم بالمال كما في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبّ الخير لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8] والأولى أن يراد به كل خير عندهم فالنكرة في سياق النفي تعم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويختم الحديث عن الحدث الضخم بعاقبته التي تصدق ظن المؤمنين بربهم؛ وضلال المنافقين والمرجفين وخطأ تصوراتهم؛ وتثبت القيم الإيمانية بالنهاية الواقعية وقد بدأت المعركة، وسارت في طريقها، وانتهت إلى نهايتها، وزمامها في يد الله، يصرفها كيف يشاء. وأثبت النص القرآني هذه الحقيقة بطريقة تعبيره. فأسند إلى الله تعالى إسنادا مباشرا كل ما تم من الأحداث والعواقب، تقريرا لهذه الحقيقة، وتثبيتا لها في القلوب؛ وإيضاحا للتصور الإسلامي الصحيح.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والرد: الإرجاع إلى المكان الذي صُدر منه؛ فإنَّ ردهم إلى ديارهم من تمام النعمة على المسلمين، بعد نعمة إرسال الريح عليهم لأن رجوعهم أعمل في اطمئنان المسلمين.

وعُبر عن الأحزاب بالذين كفروا للإيماء إلى أن كفرهم هو سبب خيبتهم العجيبة الشأن.

وإظهار اسم الجلالة دون ضمير المتكلم للتنبيه على عظم شأن هذا الرد العجيب كما تقدم في قوله تعالى: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} [الأحزاب: 24].

{كفى} بمعنى أغنى، أي: أراحهم من كلفة القتال بأن صرف الأحزاب.

ذكر فعل {كان} للدلالة على أن العزة والقوة وصفان ثابتان لله تعالى، ومن تعلُّقات قوتِه وعزته أن صرف ذلك الجيش العظيم خائبين مفتضحين.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«الغيظ» يعني (الغضب) ويأتي أحياناً بمعنى (الغمّ)، وهنا جاء مزيجاً من المعنيين، فإنّ جيوش الأحزاب قد بذلت قصارى جهدها للانتصار على جيش الإسلام، لكنّها خابت، ورجع جنود الكفر إلى أوطانهم يعلوهم الغمّ والغضب.

(وكان الله قويّاً عزيزاً) فمن الممكن أن يوجد اُناس أقوياء، لكنّهم ليسوا بأعزّاء لا يُقهرون، بل هناك من يقهرهم ومن هو أقوى منهم، إلاّ أنّ القوي العزيز الوحيد في العالم هو الله عزّ وجلّ الذي لا حدّ لقدرته وقوّته ولا انتهاء، فهو الذي أنزل على المؤمنين النصر في مثل هذا الموقف العسير والخطير جدّاً بحيث لم يحتاجوا حتّى إلى النزال وتقديم التضحيات!