قوله عز وجل : { وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ } يعني : صدهم ، وهم الكفار الَّذين جاؤوا يوم الخندق { بِغَيْظِهِمْ } يعني : صرفهم عن المدينة مع غيظ منهم { لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } يعني : لم يصيبوا ما أرادوا من الظفر والغنيمة { وَكَفَى الله المؤمنين القتال } يعني : دفع الله عنهم مؤنة القتال حيث بعث عليهم ريحاً وجنوداً . { وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً } فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق دخل المدينة ، ودخل على فاطمة رضي الله عنها ، وأراد أن يغسل رأسه . فجاءه جبريل عليه السلام : وقال : لا تغسل رأسك ، ولكن اذهب إلى بني قريظة . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقال : إن جبريل عليه السلام قال له حين وضع سلاحه : وضعت سلاحك ؟ قال : « نعم » قال : ما وضعت الملائكة عليهم السلام سلاحها بعد ، وقد أمرك الله عز وجل أن تنهض نحو بني قريظة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال : «عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَنْ لا تُصَلُّوا العَصْرَ إلاّ بِبَنِي قُرَيْظَة » . فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحه وخرج المسلمون معه ، واللواء في يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه . فمر على بني عدي وبني النجار وقد أخذوا السلاح . فقال : «مَنْ أَمَرَكُمْ أنْ تَلْبَسُوا السِّلاحَ » . فقالوا : دحية الكلبي . وكان جبريل عليه السلام يتمثل في صورته .
فلما جاء بني قريظة ، وجد بعض الصحابة قد صلوا العصر قبل أن يأتوا بني قريظة مخافة أن تفوتهم عن وقتها ، وأبى بعضهم فقالوا : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي حتى نأتي بني قريظة . فلم ينتهوا إلى بني قريظة حتى غابت الشمس ، ولم يصلوا العصر . قال : فلم يؤنب أحداً من الفريقين ، أي : رضي بما فعل الفريقان جميعاً . وفيه دليل لقول بعض الناس : إن لكل مجتهد نصيب .
فجاء علي رضي الله عنه باللواء حتى غرزه عند الحصن ، فسبت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه ، ورجع إليه علي رضي الله عنه ، فقال : " تأخر يا رسول الله ونحن نكفيك " . قال : «سَبُّونِي وَلَوْ كَانُوا دُونِي لَمْ يَسُبُّونِي » .
فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا إخْوَةَ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ انزِلُوا عَلَى حُكْمِ الله وحُكْمِ رَسُولِهِ » . فقالوا : يا أبا القاسم ما كنت فحاشاً . ورجع حيي بن أخطب من الروحاء ، ذكر يمينه التي حلف بها لكعب بن الأشرف ، ودخل معهم في حصنهم ، ونزل بنو سعد بن شعبة أسد وأسيد وثعلبة ، فأسلموا . وأبى من بقي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة بن عبد المنذر : «اذْهَبْ فَقُلْ لِحُلَفَائِكَ وَمَوَالِيكَ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ الله تَعَالَى وَرَسُولِهِ » -عَلَيْهِ السَّلامَ- . فجاءهم أبو لبابة . فقال : انزلوا على حكم الله ورسوله . فقالوا : يا أبا لبابة نصرناك يوم بغاث ، ويوم الحدائق والمواطن كلها التي كانت بين الأوس والخزرج ، ونحن مواليك وحلفاؤك ، فانصح لنا ماذا ترى ؟ فأشار إليهم ووضع يده على حلقه يعني : الذبح . فقالوا : لا تفعل ، يعني : لا ننزل . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «خنت الله ورسوله » . فقال : نعم . فانطلق فربط نفسه بخشبة من خشب المسجد حتى تاب الله عليه ، والتمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجده . فقالوا : إنه قد ربط نفسه بخشبة من خشبة المسجد . فقال عليه السلام : «لَوْ جَاءَنِي لاسْتَغْفَرْتُ لَهُ فأمَّا إذ رَبَطَ نَفْسَهُ فَدَعُوهُ حَتَّى يَتُوبَ الله عَلَيْهِ » . ثم أتاه النبي صلى الله عليه وسلم فحلّه ، فقال كعب بن أسد لأصحابه من بني قريظة : أما تعلمون أنه قد جاءنا ابن فلان اليهودي من الشام ؟ فقال لنا : جئتكم لنبي ينتهي إلى هذه الأرض من قريش ، وأنه يبعث بالذبح والقتل والسبي ، فلا يهولنكم ذلك ، وكونوا أولياءه وأنصاره . فقالوا : لا نكون تبعاً لغيرنا ، نحن أهل الكتاب والنبوة ، لا نتبع قوماً أميين ما درسوا كتاباً قط ، فلا نفعل .
فقال كعب بن أسد : أطيعوني في إحدى ثلاث : قالوا : وما هي ؟ فقال : إنكم لتعرفون أنه رسول الله فاتبعوه ، وانصروه ، فتكونوا أنصاره وأولياءه . فقالوا : لا نكون تبعاً لغيرنا . فقال : أما إذا أبيتم ، فإن هذه ليلة السبت ، هم يأمنونكم ، انزلوا إليهم فبيتوهم حتى تقتلوهم . فقالوا لا نكسر سبتنا . فقد كسر قوم من بني إسرائيل سبتهم ، فمسخهم الله تعالى قردة وخنازير . قال : فإن أبيتم هذا . فإذا كان يوم الأحد فاقتلوا أبناءكم ونساءكم ، ثم انزلوا إليهم بأسيافكم فقاتلوهم حتى تموتوا كراماً . فقالوا : لا نفعل . فلبثوا خمسة عشر ليلة محاصرين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عَلَى حُكْمِ مَنْ تَنْزِلُونَ ؟ » قالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ ، وكان جريحاً قد رمته بني قريظة ، فأصاب أكحله ، فدعا الله تعالى أن لا يميته حتى يشفي صدره من بني قريظة . فأتي به على حمار ، فتبعه قوم كان ميلهم إلى بني قريظة ، وكانوا يقولون له : يا أبا عمرو أحسن في حلفائك ومواليك ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب البقية وقد نصروك يوم بغاث ، ويوم حدائق ، فلم يكلمهم حتى نظر إلى بيوت بني قريظة . فقال سعد : قد آن لي أن لا أخاف في الله لومة لائم . فعرفوا أنه سوف يقتلهم ، فرجعوا عنه . فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي عليه السلام : لمن حوله : «قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ » . فقام إليه الأنصار ، فأنزلوه . فقال : «احْكُمْ فِيهِمْ يَا أبا عَمْرٍو » . فقال سعد لليهود : أترضون بحكمي ؟ قالوا : نعم . فقال : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ؟ قالوا : نعم . فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهاب أن يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : وَعَلَيَّ مِنْ هَاهُنَا مثل ذلك ، وإنه ليغض بصره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «نَعَمْ نَعَمْ وَعَلَيْنَا » . فقال لبني قريظة : انزلوا فلما نزلوا . قال : احكم فيهم يا رسول الله أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبي ذراريهم ، وتقسم أموالهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ مَنْ فَوْقَ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ » . فأتى حيي بن أخطب مأسوراً في حلة ، فجاءه رجل من الأنصار ، فنزع رداءه ، فبقي في إزاره ، فجعل يمزق إزاره لكي لا يلبسه أحد وهو يقول : لا بأس بأمر الله . فلما جاء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ألَمْ يُمَكِنِّي الله مِنْكَ يَا عَدُوَّ الله » فقال : بلى وما ألوم نفسي فيك قد التمست العز في مظانه ، وقلقلت في كل مقلقل ، فأبى الله إلا أن يمكّنك مني . فأمر بضرب عنقه .
ثم جاؤوا بعزاز بن سموأل فقال : «أَلَمْ يُمْكِنِّي الله مِنْكَ » فقال : بلى يا أبا القاسم ، فضرب عنقه .
ثم قال لسعد : " عَلَيْكَ بِمَنْ بَقِيَ " . وقال : " لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّيْنِ حَرَّ الهَاجِرَةِ ، وَحَرَّ السَّيْف " . فحسبهم في دار الحارث ، وفي بعض الروايات ببيت خراب » .
ثم أخرجهم رسلاً فقتلهم على الولاء والترتيب . فقال بعضهم لبعض في الحبس : ما تراهم يصنعون بنا ؟ فقال واحد : ألا تعقلون أنهم يقتلون ؟ ألا ترون أن الداعي لا يسكت ؟ ومن ذهب لا يرجع ؟ فقتلوا كلهم ولم يسلم أحد منهم . كان فيهم رجل يقال له : زبير بن باطا . فكلم ثابت بن قيس بن شماس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره فقال : إن الزبير بن باطا له عندي يد ، وقد أعانني يوم بغاث فهبهُ لي يا رسول الله حتى أعتقه . فقال عليه السلام : " هُوَ لَكَ " . فجاء إليه . فقال : يا أبا عبد الرحمن أتعرفني ؟ قال : نعم . وهل ينكر الرجل أخاه ، أنت ثابت بن قيس . قال : أتذكر يداً لك عندي يوم بعاث ؟ . قال : نعم . إن الكريم يجزي باليد ، فاجز بها . فقال : قد وهبك النبي صلى الله عليه وسلم لي ، وقد أعتقتك . قال : شيخ كبير لا أهل له كيف يعيش ؟ فجاء ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلّمه في أهله ، فقال : " لَكَ أهْلُهُ " . فجاء إليه . فقال : قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك فهي لك . فقال : شيخ كبير أعمى وامرأة ضعيفة ، وأطفال صغار لا مال لهم كيف يعيشون ؟ فقام ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله ماله . فقال : " لَكَ مَالُهُ " . فجاء إليه . فقال : قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك لي فهو لك . فقال : فما فعلت بكعب بن أسد الذي وجهه كأنه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى الحي ؟ قال : قتل . قال : فما فعل بعزاز بن سموأل مقدم اليهود إذا حملوا وحاميهم إذا انصرفوا ؟ قال : قتل . قال : فما فعل بسيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب يحملهم في الحرب ويطعمهم في المحل ؟ قال : قتل . قال فما فعل بفلان وفلان ؟ قال : قتل . قال : فقال يا ابن الأخ لا خير في الحياة بعد أولئك ألا أصبر فيه قدر فراغ دلو ماء حتى ألقى الأحبة . قال أبو بكر : ويلك يا ابن باطا ، والله ما هو إفراغ دلو ماء ، ولكنه عذاب الله أبداً . يا ابن الأخ قدمني إلى مصارع قومي ، فاضرب ضربة أجهز بها ، وأرفع يدك عن العظام ، وألصق بالرأس . فإن أحسن الجسد أن يكون فيه شيء من العنق . فقال ثابت : ما كنت لأقتلك . قال : ما أبالي من قتلني . فتقدم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عنقه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.