المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (103)

وقوله { ننجي رسلنا } الآية ، لما كان العذاب لم تحصر مدته وكان النبي والمؤمنون بين أظهر الكفرة وقع التصريح بأن عادة الله سلفت بإنجاء رسله ومتبعيهم ، فالتخويف على هذا أشد ، وكلهم قرأ «ننجّي » مشددة الجيم إلا الكسائي ، وحفصاً عن عاصم فإنهما قرأ «ننْجِي » بسكون النون وتخفيف الجيم ، وقرأ عاصم في سورة الأنبياء في بعض ما روي عنه «نُجي » بضم النون وحذف الثانية وشد الجيم ، كأن النون أدغمت فيها ، وهي قراءة لا وجه لها ، ذكر ذلك الزجاج{[6236]} . وحكى أبو حاتم نحوها عن الأعمش ، وخط المصحف في هذه اللفظة «ننج » بجيم مطلقة دون ياء وكذلك قرأ الكسائي في سورة مريم { ثم ننْجِي الذين اتقوا }{[6237]} بسكون النون وتخفيف الجيم ، والباقون بفتح النون وشد الجيم ، والكاف في قوله { كذلك } يصح أن تكون في موضع رفع ، ويصح أن تكون في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف .


[6236]:- الآية المقصودة من سورة الأنبياء هي قوله تعالى: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}. ومع أن ابن عطية نقل عن الزجاج أن هذه القراءة لا وجه لها فقد قال ابن خالويه في كتاب "الحجة": "ولعاصم في قراءته وجه من النحو، لأنه جعل (نُجيّ) فعل ما لم يسمّ فاعله، وأرسل الياء بغير حركة، لأن الحركة لا تدخل عليها في الرفع، وهي ساقطة في الجزم إذا دخلت في المضارع، وأضمر مكان المفعول الأول المصدر لدلالة الفعل عليه، ومنه قولهم: "من كذب كان شرا له"، يريدون: كان الكذب، فلما دلّ (كذب) عليه حذف، فكأنه هنا قال: "وكذلك نُجّي النجاء المؤمنين"، وأنشد شاهدا لذلك: ولو ولدت قفيرة جرو كلب لسبّ بذلك الجرو الكلابا قال في "الخزانة": "وقفيرة: اسم أم الفرزدق، والجرو: مثلث الجيم، والبيت لجرير" والشاهد في البيت كما جاء في "الدر اللوامع": نيابة غير المعفول به مع وجوده، فـ(بذلك) جار ومجرور وناب عن فاعل (سبّ) مع وجود المفعول وهو الكلاب".
[6237]:- من الآية (72).ذ