البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (103)

لما تقدم قوله : فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ، وكان ذلك مشعراً بما حل بالأمم الماضية المكذبة ومضرحاً بهلاكهم في غير ما آية ، أخبر تعالى عن حكاية حالهم الماضية فقال : ثم ننجي رسلنا ، والمعنى : إن الذين خلوا أهلكناهم لما كذبوا الرسل ، ثم نجينا الرسل والمؤمنين .

ولذلك قال الزمخشري : ثم ننجي معطوف على كلام محذوف يدل عليه إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ، كأنه قيل : نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا على مثل الحكايات الماضية .

والظاهر أن كذلك في موضع نصب تقديره : مثل ذلك الإنجاء الذي نجينا الرسل ومؤمنيهم ، ننجي من آمن بك يا محمد ، ويكون حقاً على تقدير : حق ذلك حقاً .

وقال أبو البقاء : يجوز أن يكون حقاً بدلاً من المحذوف النائب عنه الكاف تقديره : إنجاء مثل ذلك حقاً .

وأجاز أن يكون كذلك ، وحقاً منصوبين بننجي التي بعدهما ، وأن يكون كذلك منصوباً بننجي الأولى ، وحقاً بننجي الثانية ، وأجاز هو تابعاً لابن عطية أن تكون الكاف في موضع رفع ، وقدره الأمر كذلك : وحقاً منصوب بما بعدها .

وقال الزمخشري مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم ونهلك المشركين ، وحقاً علينا اعتراض يعني حق ذلك علينا حقاً .

قال القاضي : حقاً علينا المراد به الوجوب ، لأن تخليص الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من العذاب إلى الثواب واجب ، ولولاه ما حسن من الله أن يلزمهم : الأفعال الشاقة .

وإذا ثبت لهذا السبب جرى مجرى قضاء الدين للسبب المتقدّم ، وأجيب بأنه حق .

بحسب الوعد والحكم لا بحسب الاستحقاق ، لما ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئاً .

وقرأ الكسائي ، وحفص : ننجي المؤمنين بالتخفيف مضارع أنجى ، وخط المصحف ننج بغير ياء .