اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (103)

قوله : { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا } قال الزمخشريُّ : هو معطوفٌ على كلامٍ محذوف يدلُّ عليه قوله : { إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ } [ يونس : 102 ] كأنَّه قيل : نُهلكُ الأمم ثم نُنَجِّي رسلنا ، معطوفٌ على حكايةِ الأحوالِ الماضية .

قرأ الكسائي{[18633]} في رواية " نصر " نُنْجِي " خفيفة ، والباقون : مشددة ، وهما لغتان ، وكذلك في قوله " نُنْجِ المُؤمنينَ " والمعنى : ننجي رسلنا ، والذين آمنوا معهم عند نزول العذابِ . معناه : نَجَّينَا ، مستقبلٌ بمعنى الماضي ، ونجَّيْنَا وأنْجَيْنَا بمعنى واحد " كذلِكَ " كما نَجَّيْناهم " حَقًّا " واجباً { عَلَيْنَا نُنجِ المؤمنين } .

قوله : " حقّاً " فيه أوجهٌ :

أحدها : أن يكون منصوباً بفعل مُقَدَّر أي : حقَّ ذلك حقّاً .

والثاني : أن يكون بدلاً من المحذوف النَّائب عنه الكافُ تقديره : إنجاء مثل ذلك حقّاً .

والثالث : أن يكون " كذلك " و " حقًّا " منصوبين ب " نُنْجِ " الذي بعدهما .

والرابع : أن يكون " كَذلِكَ " منصوباً ب " نُنَجي " الأولى ، و حقّاً ب " نُنْجِ " الثَّانية .

وقال الزمخشري{[18634]} : مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم ، ونهلك المشركين ، وحقّاً علينا اعتراضٌ ، يعني حقَّ ذلك علينا حقّاً .

وقرأ الكسائيُّ{[18635]} وحفصٌ " نُنْجي المؤمنين " مخففاً من أنجى يقال : أنْجَى ونجَّى .

كأنزل ونزَّل ، وجمهور القرَّاءِ لم ينقلوا الخلاف إلاَّ في هذا دون قوله : { فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } [ يونس : 92 ] ودون قوله { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا } [ يونس : 103 ] . وقد نقل أبو علي الأزهري الخلافَ فيهما أيضاً ، ورسِمَ في المصاحف بجيم دون ياء .

فصل

قال القاضي{[18636]} : قوله " حقًّا عليْنَا " المراد به الوجوب ؛ لأنَّ تخليصَ الرَّسُول - صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه - والمؤمنين من العذاب إلى الثَّواب واجبٌ ، ولولاهُ ما حسن من الله تعالى أن يلزمهم الأفعال الشَّاقَّة ، وهذا يجري مجرى قضاء الدَّين .

والجوابُ ، بأن نقُول : إنَّه حقٌّ بحسب الوعْدِ والحُكْمِ ، ولا نقُولُ إنَّهُ حقٌّ بحسب الاستحقاق لما ثبت أنَّ العبد لا يستحقُّ على خالقه شيئاً .


[18633]:ينظر: السبعة ص (330)، الحجة للقراء السبعة 4/305، حجة القراءات ص(337)، إعراب القراءات 1/275-276، إتحاف فضلاء البشر 2/120.
[18634]:ينظر: تفسير الكشاف 2/373.
[18635]:ينظر: السبعة ص (330)، الحجة للقراء السبعة 4/305، حجة القراءات ص (337)، إعراب القراءات 1/275-276، إتحاف فضلاء البشر 2/120.
[18636]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 17/137.