المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{۞وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ} (108)

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم - في رواية أبي بكر - «سَعدوا » بفتح السين ، وهو فعل لا يتعدى ؛ وقرأ حمزة والكسائي وعاصم - في رواية حفص - «سُعدوا » بضم السين ، وهي شاذة ولا حجة في قولهم : مسعود ، لأنه مفعول من أسعد على حذف الزيادة كما يقال : محبوب ، من أحب ، ومجنون من أجنه الله ، وقد قيل في مسعود : إنما أصله الوصف للمكان ، يقال : مكان مسعود فيه ثم نقل إلى التسمية به ؛ وذكر أن الفراء حكى أن هذيلاً تقول : سعده الله بمعنى أسعده . وبضم السين قرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف وابن وثاب والأعمش{[6520]} .

والأقوال المترتبة في استثناء التي قبل هذه تترتب ها هنا إلا تأويل من قال : هو استثناء المدة التي تخرب فيها جهنم ، فإنه لا يترتب مثله في هذه الآية ، ويزيد هنا قول : أن يكون الاستثناء في المدة التي يقيمها العصاة في النار ؛ ولا يترتب أيضاً تأويل من قال في تلك : إن الاستثناء هو من قوله : { في النار } .

وقوله : { عطاء غير مجذوذ } ، نصب على المصدر{[6521]} ، و «المجذوذ » : المقطوع . و «الجذ » : القطع{[6522]} وكذلك «الجد » وكذلك «الحز » .


[6520]:-قال أبو عمرو: "الدليل على أنه (سعدوا) أن الأولى (شقوا) ولم يقل: "أشقوا"، وقال الثعلبي: "(سعدوا) بضم السين، أي: رزقوا السعادة"، وقال سيبويه: "لا يقال: سعد فلان كما لا يُقال: شُقي فلان لأنه مما لا يتعدى".
[6521]:- وعطاء هنا بمعنى إعطاء، كقوله تعالى: {والله أنبتكم من الأرض نباتا} فهو بمعنى: إنباتا.
[6522]:- مأخوذ من قولهم: جذّه يجذّه أي قطعه، قال النابعة يصف السيوف: تجذّ السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب.