تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ} (108)

المفردات :

غير مجذوذ : غير مقطوع . يقال : جذه جذا ، أي : قطعه .

التفسير :

108 { وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ } .

ذكر سبحانه جزاء الأشقياء فيما سبق ، وفي مقابل ذلك ذكر جزاء من أسعده الله بالإيمان والعمل الصالح وإتباع ما جاءت به الرسل هؤلاء السعداء في الجنة خالدين فيها خلودا أبديا سرمديا مدة بقاء السماوات والأرض .

{ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } . إلا الوقت الذي يشاء سبحانه فيه ؛ أن يكون لهم موعدا عند ربهم ؛ حيث يحل عليهم رضوانه ، ويشملهم بفضله . قال تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } . ( يونس : 26 ) .

أي : للذين آمنوا الجنة ، ثم الزيادة هي رضوان الله عليهم ، أو رؤية الله تعالى في الآخرة رؤية منزهة عن الكم والكيف ، فنحن نؤمن بها ونفوض المراد منها إلى الله وبعض المفسرين أنكر هذه الرؤية ؛ تنزيها لله تعالى عن مشابهة الحوادث ، وبين الفريقين نقاش طويل يلتمس في مواطنه .

ومعنى الاستثناء : { إلا ما شاء ربك } . إلا الوقت الذي ينقلون فيه من نعيم الجنة ، إلى ما هو أعلى منه من الفوز برضوان الله الذي هو أكبر من الجنة قال تعالى : { وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } . ( التوبة : 72 ) ، ولهؤلاء السعداء أيضا ما يتفضل الله به عليهم ؛ سوى ثواب الجنة مما لا يعرف كنهه ، { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون } . ( الزخرف : 71 ) .

{ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ } . عطاء غير منقطع ولا ممنوع ، ولكنه ممتد إلى غير نهاية ، كقوله تعالى : { لهم أجر غير ممنون } . ( الانشقاق : 25 ) .

قال ابن كثير :

" الاستثناء هنا في قوله تعالى : { إلا ما شاء ربك } . معناه : أن دوامهم فيها هم فيه من النعيم ليس أمرا واجبا بذاته ، بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى فله المنة عليهم دائما ، ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد ، كما يلهمون النفس " . 65 ا ه .

ويمكن أن نستنبط من التعبير بالمشيئة هنا ما يفيد : أن نعيم الجنة تفضل من الله على عباده ، وجزاء زائد ، ومنة من الخالق الفعال لما يريد .

روى البخاري ومسلم والنسائي : عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : " لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله " ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته " . 66

وجاء في الصحيحين : " يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقال يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار ، خلود فلا موت " . 67

وفي الصحيح أيضا : " فيقال يا أهل الجنة ، إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا ، فلا تبأسوا أبدا ) . 68