فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ} (108)

{ وأما الذين سعدوا } أي في علمه تعالى وهم الذين يموتون على الإيمان وإن تقدم منهم كفر أو غيره من المعاصي قرأ الكسائي وغيره سعدوا بضم السين وقرأ الباقون بفتحها قاله سيبويه : لا يقال سعد فلان كما يقال شقي فلان لكونه مما لا يتعدى قال النحاس : ورأيت علي ابن سليمان يتعجب من قراءة الكسائي بضم السين مع علمه بالعربية وهذا لحن لا يجوز .

قال السمين : قرأ الأخوان وحفص بضم السين والباقون بفتحها فالأولى من قولهم سعده الله أي أسعده حكى الفراء عن هذيل أنها تقول كذلك قال الأزهري : سعد فهو سعيد كسلم فهو سليم وسعد فهو مسعود ، وقال أبو عمرو ابن العلاء : يقال الرجل كما يقال حسن ، وقيل سعده لغة مهجورة وقد ضعف جماعة قراءة الأخوين ، وفي المصباح : سعد فلان يسعد من باب تعب في دين أو دنيا سعدا وبالمصدر سمى ومنه سعد ابن عبادة والفاعل سعيد والجمع سعداء ويعدى بالحركة في لغة فيقال سعده الله يسعده بفتحتين فهو مسعود ، وقرئ في السبعة بهذه اللغة في هذه الآية بالبناء للمفعول والأكثر أن يتعدى بالهمزة فيقال أسعده الله وسعد بالضم خلاف شقي .

{ ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض } معنى الآية كما مر في قوله وأما الذين شقوا { إلا ما شاء ربك } من الزيادة التي لا منتهى لها فالمعنى خالدين فيها أبدا وقد عرف من الأقوال المتقدمة ما يصلح لحمل هذا الاستثناء عليه ولا يستقيم إلا على التأويل المذكور في الوجه الخامس والسابع وما بعده { عطاء } اسم مصدر والمصدر في الحقيقة الإعطاء أو يكون مصدرا على حذف الزوائد كقوله من الأرض نباتا أو منصوب بمقدر يقال عطوت بمعنى ناولت { غير مجذوذ } من جذه يجذه إذا قطعه وكسره والجذاذ بكسر الجيم ما تكسر منه والضم أفصح والجذاذات القراضات والمعنى يعطيهم الله عطاء غير مقطوع يعني أنه ممتد إلى غير نهاية .

قال القاضي : وهو تصريح بأن الثواب لا ينقطع وتنبيه إلى أن المراد من الاستثناء في الثواب ليس الانقطاع ولأجله فرق بين الثواب والعقاب في التأبيد انتهى قال الخفاجي : وقع لبعضهم هنا أن النار ينقطع عذابها بخلاف نعيم أهل الجنة وأورد فيه حديثا عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص وقد تقدم قال ابن الجوزي : أنه موضوع وأشار لنحو منه الزمخشري إلا أنه تكلم في ابن عمرو كلاما لا ينبغي ذكره انتهى .

وقد ثبت بالنصوص القاطعة أن لا وجود لذلك فيقدر الخلود ولا يتوهم جواز التعارض بين هذه النصوص الدالة على عدم الخلود لأن المحتمل لا يعارض القطعي .