معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ} (108)

وقوله : { خَالِدِينَ فِيها ما دَامَتِ السَّماوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ ما شَاء رَبُّكَ 107 ، 108 } ،

يقول القائل : ما هَذا الاسْتثناء وقد وعد الله أَهْل النار الخلود وأهلَ الجنّة الخلود ؟ ففي ذلك معنيان ؛ أحدهما : أن تجعله استثناء يَسْتثنيه وَلاَ يفعله ؛ كقولك : والله لأضربنّكَ إلاّ أن أرى غير ذلك ، وعزيمتُك على ضَربه ، فكذلك قال : { خَالِدِينَ فِيها ما دَامَتِ السَّماوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ ما شَاء رَبُّكَ } ، ولا يشاؤه ، والله أعلم ؛ والقول الآخر : إن العرب إذا استثنت شيئاً كبيراً مع مثله أو مع ما هو أكبر منه كان مَعْنى إلاَّ ومعنى الواو سواء ، فمن ذلك قوله : { خَالِدِينَ فِيها ما دَامَتِ السَّمَوَاتُ والأَرْضُ } ، سِوَى ما يشاء من زيادة الخلود ، فيجعل ( إلاَّ ) مكان ( سِوَى ) فيصلح . وكأنّه قال : خالدين فيها مقدار ما كانت السَّموات وكانت الأرض سوى ما زادهم من الخلود ( و ) الأبد . ومثله في الكلام أن تقول : لي عَليكَ ألف إلاَّ الألفين اللذين من قِبَل فلان ؛ أفلا ترى أَنه في المعنى : لي عَليكَ سوى الألفين . وهذا أحَبّ الوجهين إليَّ ، لأنَّ الله عزّ وجل لا خُلْف لوعده ، فقد وصل الاستثناء بقوله : { عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ } ، فاسْتدل على أَن الاستثناء لهم بالخلود غير منقطِع عنهم .