قوله : { وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ } .
قرأ الأخوان حفصٌ " سُعِدُوا " بضمِّ السين . والباقون{[19004]} بفتحها ، فالأولى من قولهم : سعده اللَّهُ ، أي : أسعدهُ حكى الفرَّاءُ عن هذيل أنها تقولُ : سعده الله بمعنى أسعده .
وقال الجوهريُّ : سَعِد فهو سَعِيد ك : سَلِمَ فهو سليم وسُعِد فهو مسعود . وقال ابن القشيري : ورد سعده الله فهو مسعود ، وأسْعَده فهو مُسْعَد .
وقيل : يقال : سعده وأسْعده فهو مسعُود ، استغنوا باسم مفعول الثلاثي .
وحكي عن الكسائي أنَّه قال : هما لغتنان بمعنى يعني : فعل وأفعل . وقال أبو عمرو ابن العلاءِ : يقال : سُعِدَ الرجلُ ، كما يقال : جُنَّ وقيل : سعده لغة مهجورة .
وقد ضعّف جماعة قراءة الأخوين . قال المهدوي : من قرأ " سعدوا " فهو محمول على مسعود ، وهو شاذ قليل ؛ لأنه لا يقال : سعده الله ، إنما يقال : أسعده الله وقال بعضهم : احتجَّ الكسائيُّ بقولهم : " مَسْعود " قيل : ولا حُجَّة فيه ؛ لأنه يقال : مكان مسعود فيه ثم حذف " فيه " وسُمِّي به .
وكان عليُّ بن سليمان يتعجَّب من قراءة الكسائي " سُعِدوا " مع علمه بالعربيَّةِ ، والعجبُ من تعجُّبه .
قال مكيُّ : قراءةُ حمزة والكسائي " سُعدِوا " بضمِّ السِّين حملاً على قولهم : " مسعود " وهي لغةٌ قليلة شاذةٌ ، وقولهم : " مسعود " ، إنَّما جاء على حذف الزَّوائد : كأنَّهُ من أسعده الله ، ولا يقال : سعده الله ، وهو مثل قولهم : أجنَّهُ الله فهو مجنون ، أتى على جَنَّةُ الله ، وإن كان لا يقال ذلك ، كما لا يقال : سعده الله . وضمُّ السين بعيدٌ عند أكثر النحويين إلا على حذف الزوائد . وقال أبو البقاء : وهذا غيرُ معروفٍ في اللغةِ ، ولا هو مقيسٌ .
قال ابنُ الخطيب{[19005]} : الاستثناءُ في باب السُّعداءِ يجبُ حمله على كل الوجوهِ المذكورة فيما تقدَّم ، وها هنا وجه آخر ، وهو أنُ ربما اتفق لبعضهم أن يرفع من الجنَّة إلى المنازل الرَّفيعة التي لا يعلمها إلاَّ الله تعالى ، لقوله : { وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ } [ التوبة : 72 ] إلى أن قال : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] .
قوله : { عَطَآءً } نُصِبَ على المصدر المؤكد من معنى الجملة قبله ؛ لأن قوله : ففِي الجنَّةِ خالدينَ " يقتضي إعطاءً وإنعاماً فكأنَّهُ قيل : يعطيهم عطاءً ، و " عطاء " اسم مصدر والمصدر في الحقيقة الإعطاء على الأفعال ، أو يكونُ على حذف الزَّوائد ، كقوله : { أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] ، أو منصوب بمقدَّرِ موافق له ، أي : فنبتُّم نباتاً ، وكذلك هنا ، يقال : عطوتُ معنى : تناولتُ . و " غَيرَ مجذُوذِ " نعته ، والمجذوذُ : المقطوع ، ويقال لفُتات الذَّهب والفضَّة والحجارة جُذاذ من ذلك ، وهو قريب من الجدِّ وبالمهلة في المعنى ، إلاَّ أنَّ الرَّاغب جعل جدَّ بالمهملة بمعنى : قطع الأرض المستوية ، ومنه : جدَّ في سيره يَجِدُّ جدًّا ، ثم قال : " وتُصُوِّر من جددتث الأرض القطعُ المُجرد ، فقيل : جددتُ الثوبَ إذا قطعته على وجه الإصلاح ، وثوبٌ جديد أصله المقطوع ، ثم جعل الكل ما أحدث إنشاؤه " والظَّاهر أنَّ المادتين متقاربتان في المعنى ، وقد ذكرت لها نظائر نحو : عتا وعثَا ، وكتب وكثب .
قال ابن زيد : أخبرنا الله بالذي يشاء لأهل الجنَّة ، فقال : { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } ولم يخبر بالذي يشاءُ لأهل النَّار .
وقال ابن مسعود : ليأتينَّ على جهنَّم زمان ولي فيها أحدٌ ، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً وعن أبي هريرة مثلهُ ، وقد تقدَم ، ومعناه عند أهل السُّنة : ألاَّ يبقى فيها أحدٌ من أهل الإيمان ، وأما مواضع الكافر فممتلئة أبداً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.